ماثيو وينكلر
TT

النمو الاقتصادي الأفريقي يسير على قطار بلا قضبان

تمكن مئات الآلاف من الكينيين من التخلص من الفقر بعد أن حولتهم خدمات المعاملات المالية عبر الهواتف الجوالة من مزارعي كفاف إلى رجال أعمال صغار. هناك ديناميكية مشابهة تتبناها دولة إثيوبيا التي حققت أسرع نمو اقتصادي في أفريقيا، حيث من المتوقع أن يتخطى الناتج المحلي الإجمالي 8 في المائة بحلول عام 2019. وفي غانا، هبطت كلفة الاقتراض بواقع 2.5 في المائة خلال الـ12 شهراً الماضية في ظل ارتفاع غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي، بفضل النمو الذي حققته صناعة الاتصالات. ومن المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، مكنت الهواتف الجوالة الناس بأن يصبح كل منهم ماكينة صرف آلي (إيه تي إم) متحركة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأنشطة الاقتصادية بأن سهّل سداد المال لشراء الطعام وسداد كلفة السفر والدراسة والمعاملات التجارية. كذلك قادت الاتصالات اللاسلكية النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالضبط كما فعلت خطوط السكك الحديدية في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، حيث تضم تلك المنطقة نحو عُشر عدد مستخدمي مشتركي الهواتف الجوالة في العالم، وحققت معدل نمو نافس المعدلات العالمية. فبحسب بيانات صادرة عن وكالة أنباء «بلومبيرغ» جاءت انعكاسات ذلك التحول من خلال أكثر من 1300 شركة تجارة عامة منتشرة في القارة الأفريقية. وارتفعت قيمة شركات الاتصالات في السنوات الخمس الأخيرة لتغطي نحو 25 في المائة من إجمالي رأس المال السوقي للشركات الأفريقية، مقارنة بنحو 16 في المائة في السابق. وهبطت قيمة المواد الخام والموارد الطبيعية التي تمثل المعايير القياسية التي تميز تلك المنطقة من العالم منذ زمن الاحتلال من 27 في المائة إلى 18 في المائة خلال الفترة نفسها.
ليس هناك مثال أكثر وضوحاً من غانا التي ارتفعت فيها قيمة المنتجات والخدمات المتعلقة بقطاع الاتصالات بواقع 239 في المائة منذ عام 2012، وفق بيانات صادرة عن «بلومبيرغ»، ليكون بذلك قطاع الاتصالات أسرع قطاعات الاقتصاد نمواً. وساعد هذا النمو المذهل غانا في تحسين جدارتها الائتمانية وتخفيض متوسط كلفة الاقتراض العام والخاص من 9.1 في المائة إلى 6.7 في المائة خلال الـ12 شهراً الماضية. وواصل الاقتصاد تمدده بواقع 6 في المائة. وفي مسح أجرته وكالة «بلومبيرغ»، توقع عدد من خبراء الاقتصاد، زيادة أخرى بواقع 6.7 في المائة العام المقبل، وهي ضعف نسبة 3.5 في المائة التي تحققت عام 2006، ما يعني أن الفائدة قد عمت على المنطقة وعلى الصناعة على حد سواء. في الحقيقة، فإن شركة «سافاريكوم» العاملة في كينيا ليست أكبر شركة اتصالات في العالم، ولا يتعدى حجم مبيعاتها السنوية 3 في المائة من متوسط مبيعات 60 شركة كبرى تهيمن على سوق الاتصالات العالمية. ورغم ذلك، فإن منتجاتها وخدماتها غيرت من طبيعة القارة الأفريقية بأن رفعت من الحد الأدنى لمستوى المعيشة وجذبت المستثمرين العالميين. وتوقع محللون ارتفاع عائدات «سافاريكوم» بواقع 10 في المائة العام المقبل، وهي نسبة تزيد بثلاثة أضعاف على عائدات شركات الاتصالات العملاقة الستين التي تهيمن على سوق الاتصالات العالمية، وذلك بعد زيادة مبيعاتها بواقع 13 في المائة عام 2016.
وتحقق «سافاريكوم» عائدات أكبر من نظيراتها الستين المنتشرة في جميع أنحاء العالم بعد أن تمكنت من استخلاص 23 دولاراً دخلاً صافياً من كل 100 دولار تجنيه كعائدات عام 2016، وهي نسبة تعادل ضعف المتوسط في الشركات المناظرة. ورغم أن أسهمها ارتفعت بواقع 104 في المائة منذ عام 2004، وهي النسبة التي تعادل أربعة أضعاف متوسط باقي شركات المجموعة، فإن «سافاريكوم» لا تزال تتداول أسهمها بأسعار تقل بواقع 33 في المائة عن منافسيها بجميع أنحاء العالم على أساس معادلة «نسبة السعر إلى الربح»، بحسب بيانات صادرة عن «بلومبيرغ». وقد انطلقت خدمة التحويلات المالية عبر «سافاريكوم»، المعروفة باسم «إم بيزا»، عام 2007، والآن أصبح لديها أكثر من 25 مليون مستخدم في كينيا، في دولة يعيش 80 في المائة من سكانها بعيداً عن شبكات الكهرباء. ونسبت دراسة جرت عام 2016 الفضل لشركة «إم بيزا» في زيادة نسبة الاستهلاك اليومي للفرد لنحو 2 في المائة من الأسر الكينية التي تعيش بأقل من 1.25 دولار يومياً. وأظهرت الدراسة التي أعدها تانفيت سوري الأستاذ بكلية سالون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، وويليام جاك خبير الاقتصاد بجامعة جورج تاون، أن خدمات التحويل المالي ساعدت في التخفيف من حدة الفقر المدقع بأن ساعدت الرجال والنساء في إنتاج وبيع السلع والخدمات في أسواق من تصميمهم الخاص بمستوى يتعدى حدود مزارع الكفاف التي يعملون بها. واستطرد البروفيسور سوري أن النساء اللاتي يبحثن عن الاستقلال المالي في بيوت تخضع لهيمنة الرجال هن الأكثر استفادة من هذا التطور. وكشف اتحاد «جي إس إم إيه» التجاري بلندن الذي يضم 800 مشغل هواتف جوالة، أن عدد مشتركي الهواتف الجوالة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بلغ بنهاية عام 2016 نحو 430 مليون مشترك، وهي نسبة تعادل 43 في المائة من معدل الانتشار في أسرع مناطق العالم نمواً. ويمتلك نحو خُمس الشباب دون سن الـ 16 عاماً (40 في المائة من سكان القارة الأفريقية) اشتراكات في الهواتف الجوالة، بحسب اتحاد «جي إس إم إيه»، وهو السبب الذي عزز من توقعات المستثمرين بزيادة العائدات.
بلغت عائدات تكنولوجيا وخدمات الهواتف الجوالة نحو 110 مليارات دولار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي النسبة التي تعادل 7.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووفرت نحو 3.5 مليون فرصة عمل العام الماضي.
في الحقيقة، ما من مكان أو طبيعة سكانية أنسب لانتشار خدمات التحويل المالي من تلك المنطقة. فعدد سكان إثيوبيا، وغانا، وكينيا، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا يبلغ نحو 430 مليون نسمة، أو 41 في المائة من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أو 6 في المائة من سكان العالم. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول 936 مليار دولار، بما يعني 66 في المائة من ناتج المنطقة مجتمعة. وتتراوح نسبة السكان من الفئة العمرية دون 15 عاماً في تلك الدول الخمسة بين 28 في المائة و44 في المائة، مقارنة بنحو 25 في المائة عالمياً، و19 في المائة في الولايات المتحدة، و17 في المائة في الصين.
والعام الحالي، أعلنت شركة «فيزا إنك»، أكبر شركة تحويلات مالية في العالم، اعتزامها توسيع تطبيق الهواتف الجوالة المستخدم في التحويلات المالية المعروف باسم «إم فيزا» من خلال مقرضين في عشر أسواق بأفريقيا جنوب الصحراء، بحسب «بلومبيرغ». وفي السياق ذاته، أفادت شركة «هاواي تكنولوجي» ومقرها مدينة شنغن الصينية بأنها تتعاون مع شركة «وورلد ليميت» للتحويلات المالية، ومقرها لندن، على مساعدة المغتربين الأفارقة بإرسال التحويلات المالية إلى أكثر من 100 مليون مستخدم يتعاملون مع منصة التحويلات المالية التابعة لشركة الهواتف الجوالة الصينية.
وفي الوقت الذي غطت فيه خدمات الجوال نحو 65 في المائة من سكان العالم، فإن نسبة 43 في المائة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تمثل الحافز الذي جعل مستثمري الهواتف الجوالة يفضلون تلك المنطقة عن غيرها.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»