إميل أمين
كاتب مصري
TT

الرياض ـ موسكو... واقع استراتيجي خلّاق

تبدو موسكو في الساعات القليلة القادمة في انتظار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في زيارة هي الأولى له إلى روسيا، ويمكن وصفها بأنها زيارة تصب في صالح الرياض وموسكو معاً، وتلقي بظلال وارفة على علاقات الدولتين الاستراتيجيتين حول العالم.
بداية يدرك الروس إدراكاً وافياً شافياً أن المملكة باتت تمثل اليوم حجر زاوية رئيسياً في الشرق الأوسط واستقراره، بعد أن تحول إلى منطقة عواصف وأعاصير عاتية، عطفاً على أهمية المملكة في الحال والاستقبال كمركز رئيسي للطاقة التي تظل عصب الحياة والحضارة في القرن الحادي والعشرين.
وعلى الجانب الآخر تؤمن الدبلوماسية السعودية الناهضة أن الأزمنة المعاصرة قد تجاوزت فكرة الأحلاف التقليدية وقفزت إلى عالم تتشابك فيه العلاقات وتتداخل بصورة تحتاج إلى إعادة ضبط المسافات من الرياض إلى بقية عواصم القرار النافذة حول العالم، وأنه إذا كانت العلاقات السعودية – الأميركية تشهد ربيعاً حقيقياً، لا سيما بعد النجاح المدوي لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة للمملكة، فإنه لا مانع أبداً من علاقات سعودية - روسية ناجحة وخلاقة تتبع نفس منهاج العلاقات ما بين الرياض وواشنطن، أي الاحترام المتبادل والتعامل بندية واستقلالية.
سبل التعاون الروسي - السعودي متعددة، وبعضها يقتضيه حال المنطقة التي تواجه إرهاباً أسود، يهدد الخليج والمملكة بنفس القدر الذي يزعج روسيا ويؤرقها، كما أن الملفات المفتوحة على كافة الاحتمالات في سوريا والعراق، تحتاج لتوافق في الرؤى بين البلدين لانتشال البشر هناك من وهدة الجحيم الذي يعانونه منذ بضع سنوات.
ينتظر الروس زيارة خادم الحرمين الملك سلمان بترحاب شديد، لا سيما أن الأحاديث الدائرة في موسكو اليوم تتناول مستوى غير مسبوق من التعاون الخلاق بين الرياض وموسكو في مجال الطاقة، وقد تعززت احتمالات الإعلان عن هذا التعاون بعد اللقاء الناجح إلى أبعد حد ومد، والذي جرى في الظهران بالسعودية أوائل شهر يونيو (حزيران) المنصرم بين إيغور سيتشين رئيس شركة «روسنفت» عصب الطاقة الروسية، وبين أمين الناصر، رئيس شركة «أرامكو السعودية» العملاقة.
يبقى التعاون بين المملكة أكبر أعضاء منظمة أوبك، وروسيا الدولة غير العضو في المنظمة أيضاً، منطلقاً حيوياً وجوهرياً عالمياً لتمديد العمل بتخفيضات في إنتاج النفط الخام، والهدف هو دعم أسعار الطاقة ومنعها من الانهيار.
على أن التعاون لا ولن يتوقف عند هذا الحد، ورغم أن ما تسرب من أخبار عن الاجتماع قليل فإن هناك في الأعم الأغلب مفاجآت كثيرة حول تعاون روسي - سعودي في مجال الطاقة يتجاوز الحدود الجغرافية للبلدين، ويصل إلى دول وأسواق أخرى كبيرة للغاية في أرجاء القارة الآسيوية الفسيحة، وفي المقدمة منها إندونيسيا؛ ذلك الخزان البشري الكبير، والهند ثاني أكبر دولة من حيث التعداد حول العالم.
في هذا السياق يمكن القطع بأن زيارة خادم الحرمين الشريفين المرتقبة إلى روسيا إنما تحمل آمالاً عريضات تتصل بالرؤية الجديدة لاقتصاد المملكة، رؤية اقتصاد 2030 التي يتبناها ويتولاها، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وما تحمله من نقلة استراتيجية للاقتصاد السعودي، تعود بمزيد من التقدم والازدهار، عبر تجاوز الأفكار الاقتصادية التقليدية المقولبة والانطلاق في آفاق اقتصاد الابتكار، بما ينعكس برداً وسلاماً وخيراً وفيراً على الوطن والمواطنين في داخل المملكة.
يمكن القطع بأن زيارة خادم الحرمين الشريفين قد هيأ لها الأجواء ورتب لها الأوراق الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لموسكو أواخر مايو (أيار) المنصرم، وقد بدا واضحاً أن هناك إعجاباً روسياً كبيراً بالأمير محمد صاحب حلم النهضة والتجديد، فقد خاطبه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالقول: «نحن ممتنون لك على أفكارك وعلى العمل المشترك بين أوبك والدول غير المنتمية لها».
الزيارة السابقة دعت القيادة الروسية العليا لمباركة الاتصالات السياسية والاتصالات العسكرية بين الرياض وموسكو، وفتحت أبواباً للعمل سوية على تسوية المواقف الصعبة بما في ذلك ما يجري في سوريا والعهدة على تصريحات بوتين نفسه، الذي طلب نقل «أطيب التمنيات منه إلى الملك سلمان».
من الرياض إلى موسكو واقع جيواستراتيجي جديد يرتسم خليجياً وروسياً، في عالم متغير يعاد تشكيله عبر إرادة الكبار والأقوياء، ومن يقرأون لا ينهزمون، والتاريخ دوماً يكتبه المنتصرون، من أصحاب الإرادة الصادقة والنوايا والطوايا الصالحة.