مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

فوائد اللحية

ليس لديّ أي مشكلة أو حساسية تجاه «اللحية»، وسبق لي أن أطلقتها سنة كاملة عندما كنت أدرس في أكاديمية الفنون، لكنني أعفيتها، أي حلقتها لأنني إنسان شبه كسول، وهي في الواقع تتطلب جهداً في تنميقها والسهر على نظافتها، والمحافظة عليها من الشوائب.
واللحية، أي الذقن، لم يرد فيها ذكر أو نص في القرآن الكريم، لكنها سُنّة حسنة، ولاحظت أنها أصبحت في هذه الأيام «موضة» عند أغلب شباب العالم تقريباً، إلى درجة أنه اختلط علينا الأمر، فلم نعد نفرق بين المتدين والصايع.
المشكلة عندي هي إطلاقها على عواهنها. الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع هو موقف مع رجل أكنّ له كامل الاحترام، لكن لفت نظري مبالغته في طول لحيته، وعندما أشرت له إلى ذلك، فإذا بالشرر يتطاير من عينيه من دون سابق إنذار، فخفت وندمت على ما بدر مني، حيث لا ينفع الندم؛ لأنني فتحت على نفسي طاقة من جهنم.
فقال لي: إنني يا جاهل أفتخر أنه مضى على لحيتي عدة سنوات لم أقص أو أنزع منها شعرة واحدة، وكل يوم أعطرها بدهن العود، وتأتي أنت الآن لتنتقدها؟!، الحقيقة إنك ما تستحي وما عندك أدب.
حاولت أن أعتذر وأهدّئ عليه وأقول له: إنك قد فهمتني غلط، لكن دون جدوى، فعرفت ساعتها أنني أصبحت كمن ينفخ في قربة مخرومة، فلزمت الصمت على مبدأ «رضيت من الغنيمة بالإياب»، وتيقنت أن ليس لكل مجتهد مصيب.
وران علينا الصمت لعدة دقائق، قطعه هو قائلاً لي:
بعيداً عن السُّنة المطهرة، أريد أن ألقنك درساً أنت لا تعرفه في فوائد اللحية يا جاهل. بلعت كلمة يا جاهل للمرة الثانية، وحمدت ربي أنه قد هدأ قليلاً، وسألته قائلاً: نورني الله ينور عليك.
فاستقعد في جلسته وقال وهو يمسك لحيته: هل تعلم أنه ثبت علمياً أن للحية فوائد جمّة، فهي تعتبر كالكمامة الطبيعية، وأن حلاقتها تؤدي إلى الإصابة المتكررة بالتهاب الشُّعب الرئوية المزمن والحاد، هل يمكننا أن نشكك في حكمة الخالق حين وهب هذه الزينة للرجل الذي يتعرض بشكل متكرر لتقلبات المناخ، وحرمها للمرأة التي لا تحتاج إليها لأنها حامية المنزل؟!
فشعر اللحية يؤمّن حماية ممتازة لأعضاء الصوت الحساس، ويبعد الحنجرة عن الاضطرابات – انتهى.
الحقيقة أنه ألقمني حجراً، فأيّدته على كل ما قاله، لأنني فعلاً أشكو من اضطرابات حنجرتي – خصوصاً عندما أغني - كما أن شُعبي الهوائية بالأصل راحت وطي.