خلال زيارته لأوكرانيا مؤخراً، أكد وزير الدفاع الأميركي، جون ماتيس، أنه يفضل توفير «أسلحة دفاعية» للجمهورية السوفياتية السابقة. وتبعاً لتقارير تواترت في الفترة الأخيرة، فإن المساعدات العسكرية التي ينوي ماتيس تقديمها لأوكرانيا تتضمن صواريخ «جافلين» الموجهة والمضادة للدبابات، التي جرى استخدامها في مواجهة انفصاليين موالين لروسيا في شرق إقليم دونيتس لأكثر من ثلاثة أعوام.
المؤكد، أن قرار إدارة ترمب بتسليح كييف يحمل أهمية سياسية كبيرة، وقد تترتب عليه تداعيات استراتيجية واسعة النطاق. ومن خلال هذه الخطوة، فإن الولايات المتحدة تتحرك بذلك نحو الدخول في حرب بالوكالة في مواجهة روسيا ـ حرب لا تبدو واشنطن مستعدة للانتصار فيها.
نظرياً، تبدو فكرة تقديم العون لأوكرانيا مثيرة للإعجاب، لكن غياب النقاش العام لهذا الأمر والنحو المفاجئ الذي صدر به هذا الإعلان يبعثان على القلق. وفي الوقت الذي ربما يبدو تسليح كييف بمثابة نصر سياسي سهل المنال، فإنه بالتأكيد اختيار رديء على الصعيد السياسي. وتثير فكرة إمداد أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات بقيمة 50 مليون دولاراً في الأذهان الجهود الفاترة التي بذلتها واشنطن لتدريب وتسليح عناصر المعارضة السورية المعتدلة.
واتسمت هذه السياسة داخل سوريا برداءة تصميمها وانتهى الحال بها إلى الهزيمة، بعدما صعّدت روسيا من دعمها العسكرية لحكومة بشار الأسد عام 2015. من ناحية أخرى، من الواضح أن المصالح الروسية في أوكرانيا أكبر بكثير، وتفوقها العسكري هناك راسخ ومؤكد. على النقيض، نجد أن مصداقية قدرة الولايات المتحدة على فرض مشيئتها داخل المنطقة تقترب من العدم.
أيضاً، يتسم مقترح إرسال أسلحة إلى كييف بسوء التوقيت، ذلك أن أوكرانيا لم تشهد هجوماً روسياً أو تخسر مساحة كبيرة من أراضيها لحساب روسيا، منذ ما يزيد على العامين. ومن بين كل السبل الممكنة لمعاونة أوكرانيا على تحسين مستوى قواتها المسلحة، تبدو مسألة إغداق صواريخ على مؤسسة عسكرية لا تزال في حاجة إلى الإصلاح سبيلاً غير ملائم على الإطلاق. في الواقع، الوقت الراهن مناسب تماماً لمعاونة أوكرانيا على تنفيذ إصلاحات، وليس الدخول في لعبة جيواستراتيجية جديدة باستخدام صواريخ.
على الجانب الآخر، نجد أن جنرالات أميركيين بارزين، منهم قائد الجيش الأميركي في أوروبا، لفتنانت جنرال بين هودجيز، أعربوا عن اعتقادهم منذ فترة بعيدة بأن إمداد أوكرانيا بالأسلحة، وبخاصة صواريخ «جافلين»: «لن يحدث تغييراً استراتيجياً على الوضع القائم على نحو إيجابي». في الوقت ذاته، فإنه ليس ثمة مؤشر على قرب وقوع هجوم روسي، لكن في كل الأحوال يبدو غياب التكافؤ في القوة بين البلدين هائلاً للغاية لدرجة تجعل من المستحيل على بضعة صواريخ يمكن حملها ومضادة للدبابات إحداث تغيير في توازن القوى.
وبالنظر إلى طبيعة الصراع، ليست هناك إمكانية تذكر لاستنزاف روسيا داخل أوكرانيا. علاوة على ذلك، فإن صواريخ «جافلين» تشكل خياراً غالياً وغير عملي بالنسبة لدولة تملك قوات عسكرية ضخمة تحظى بالفعل بصواريخ موجهة مضادة للدبابات، وتنتج صواريخ خاصة بها. ومقابل 50 مليون دولار، لن نتمكن سوى من تسليح نسبة ضئيلة للغاية من القوات المسلحة الأوكرانية بـ«جافلين»، بينما بمقدور كييف الحصول على عدد أكبر بكثير من الأسلحة المشابهة من دول أخرى أو تصنيعها محلياً.
جدير بالذكر، أن معظم الضحايا الذين سقطوا، وما زالوا يسقطون، في شرق أوكرانيا كانوا ضحية المدفعية ونيران أسلحة صغيرة. ولم يشهد الصراع بوجه عام سوى عدد ضئيل للغاية من معارك الدبابات، وتلك التي وقعت دارت بين وحدات عسكرية صغيرة. ورغم الأعداد الكبيرة للدبابات الروسية داخل أوكرانيا رغم احتمالات أن تكون أعدادها مبالغ فيها ـ فإن تلك لم تكن قط حرباً تضم معارك كبرى للدبابات.
من جانبها، استخدمت القوات المسلحة الأوكرانية بالفعل صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وأوقعت خسائر أثناء معارك وقعت في أغسطس (آب) 2014 وفبراير (شباط) 2015. ورغم ذلك، أخفقت كييف في تحقيق النصر، ولم تترك الخسائر أي تأثير رادع حقيقي على الجانب الروسي، الذي لطالما حارب من أجل النفوذ الاستراتيجي وليس السيطرة على أراض.
في الواقع، من الواضح أن تقديم صواريخ «جافلين» لأوكرانيا قرار سياسي في المقام الأول من شأنه تحويل الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. وربما يحلم الأوكرانيون، ولهم الحق في ذلك، في انضمام واشنطن ذات يوم إلى الصراع، لكن ينبغي لصانعي السياسات الأميركية أن يتذكروا جيداً أن مهمتهم الرئيسية تتمثل في خدمة المصالح الوطنية الأميركية. وإذا كانت إدارة ترمب تسعى للبعث بإشارة إلى موسكو، فإن على المسؤولين الأميركيين أن يتذكروا أن الكثيرين داخل الكرملين على استعداد للرد بإشارة في المقابل. وينبغي لواشنطن بدلاً عن ذلك تركيز اهتمامها على حلفائها داخل «الناتو».
وينبغي للولايات المتحدة كذلك إبداء الحذر حيال الإشارات التي تبعث بها، وبخاصة أن ثمة مخاطرة أخلاقية كبيرة بالنسبة لواشنطن وراء إعلان دعم بلد ما في وقت ليس لديها أدنى نية للقتال من أجلها. الحقيقة أن سوريا تعد بمثابة دراسة حالة حديثة ينبغي إمعان النظر بها للتعرف على كيف يمكن خسارة حرب بالوكالة، وذلك قبل أن تشرع واشنطن في مغامرة جديدة.
في الواقع، قد يبدو التهديد بتسليح أوكرانيا منطقياً في إطار مفاوضات عسيرة تجري مع روسيا، أو كأداة لردع روسيا عن تسليح جماعات متمردة بمناطق صراعات أخرى تشارك بها الولايات المتحدة عسكرياً، مثل أفغانستان. إلا أنه في الحالة القائمة، لا يبدو ثمة هدف استراتيجي، وإنما يرغب مسؤولون بارزون في الإدارة فحسب في تسليح أوكرانيا بصواريخ.
وحال المضي قدماً في خطة إمداد أوكرانيا بصواريخ «جافلين»، فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة أهدرت نفوذاً مستقبلياً محتملاً في مواجهة خصم جيوسياسي من خلال حرق واحد من البطاقات القليلة التي تملكها من أجل البعث بإشارة سياسية محدودة الفائدة. وإذا كانت إدارة ترمب تنظر إلى أوكرانيا باعتبارها جزءاً من حرب باردة جديدة، فإن عليها التفكير بجد أكبر في كيفية الفوز فيها؛ ذلك أن الإشارات الخاوية أو بضعة صواريخ لن يمكنها من تحقيق النصر في مواجهة مثل هذا الخصم، بجانب أن تلك ليست وسيلة ذكية لتقديم يد العون لأوكرانيا.
* خدمة: «نيويورك تايمز»