بأسلوب أدبي رشيق يحمل كثيراً من الأفكار الفلسفية ولا يخلو من طرافة المفارقات اليومية، ألقى الأديب محمد سلماوي، الرئيس الشرفي لاتحاد كُتاب مصر، كلمة، في احتفالية وزارة الثقافة بثمانينيته، تضمنت حواراً بين وهن الجسد وتمرد النفس، معرِّجاً على محطات شتى مرّ بها وعلى أعلام الأدب والثقافة الذين عاصرهم وجمعته بهم ذكريات ومواقف شتى، مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما.
الاحتفالية، التي نظّمها المجلس الأعلى للثقافة بمصر، بأمانة الدكتور أشرف العزازي، الأحد، تضمنت كلمة لوزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، تحدَّث خلالها عن القيمة الكبيرة التي يمثلها سلماوي في الأدب المصري، وقراءته أعماله المتنوعة، مشيراً إلى توجه الوزارة لإعادة إنتاج إحدى مسرحيات سلماوي، وعرضِها على مسارح الدولة وفي قصور الثقافة المتعددة؛ تكريماً له.

وقال هنو: «نحتفل، اليوم، بثمانينية أحد أعمدة الثقافة المصرية والعربية، الكاتب الكبير والمثقف الموسوعي محمد سلماوي، الذي يمثّل نموذجاً نادراً للمثقف المتعدد، الشامل، الذي جمع بين الإبداع والتنوير، وبين الحضور الوطني والدور الدولي، وبين الكلمة الحرة والموقف الثابت».
ويُعدّ محمد سلماوي، المولود في القاهرة عام 1945 واحداً من أبرز الأدباء المصريين، وإن كان اشتهر في بداياته كاتباً مسرحياً، إلا أن إسهاماته الأدبية تنوعت بين القصة والرواية وأدب السيرة الذاتية والترجمة وكتابة المقال السياسي.
وخلال عقدي الثمانينات والتسعينات، قدَّم سلماوي 6 مسرحيات هي: «فوت علينا بكرة، اللي بعده» عام 1983، و«القاتل خارج السجن» عام 1985، و«سالومي» عام 1986، و«اثنين تحت الأرض» عام 1987، و«الجنزير» عام 1992، و«رقصة سالومي الأخيرة» عام 1999.
وأثناء الاحتفالية، التي حضرها عدد من الأدباء والمثقفين المصريين والعرب من السودان والكويت والسعودية، قدّم الكاتب منير عتيبة، مدير الاحتفالية، ملخصاً من السيرة الذاتية لسلماوي، وقال إنه «نموذج للمبدع المتعدد بين القصة والرواية والمسرح والسيرة الذاتية، بالإضافة إلى دوره الفعّال في العمل العام بالحياة الثقافية والسياسية، خصوصاً حين تولى مسؤولية اتحاد الكتاب، ثم حين جرى اختياره متحدثاً باسم لجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري، وتُرجمت أعماله لكثير من اللغات، ونال عنها مجموعة من الجوائز». كما أشار إلى عدد من المناصب التي تولاها، ومنها رئيس تحرير «الأهرام ويكلي» التي تصدر باللغة الإنجليزية، و«الأهرام إبدو» التي تصدر بالفرنسية، كما تولّى رئاسة مجلس تحرير جريدة «المصري اليوم».

وحاز سلماوي وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 1995، كما حاز وسام الاستحقاق الإيطالي عام 2006، ووسام التاج الملكي البلجيكي عام 2008، وحصل على جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2012، كما فازت مسرحياته بعدد من الجوائز، حين عُرضت في مهرجانات المسرح على مسوى الوطن العربي.
وعن الرهان الواقعي والعبثي في مسرح محمد سلماوي، قدَّم الكاتب أحمد خميس دراسة بحثية قال فيها إن «أعمال محمد سلماوي تعبر عن الكاتب المهموم بقضايا وطنه، فمعظم مسرحياته لقاء مع الراهن الاجتماعي والسياسي ولقاء صادم مع الدولة، عبر موضوعات يمكن أن تأخذ الوطن لآفاق جديدة».
وأشار إلى تقنية في السرد والبناء الدرامي في أعماله، «حيث ينطلق من موقف تقليدي معتاد إلى موقف عبثي يُجبر المتلقي على مراجعة نفسه من خلال التحليق بأجنحة الفانتازيا».
وضرب مثلاً بمسرحية «فوت علينا بكرة»، حيث تنتهي بتجريد المُواطن من ملابسه وختم جسده بشعار الدولة حتى الموت؛ كي لا يجرؤ على مراجعة الروتين الحكومي المعتاد، في بنية درامية بسيطة ومُوجعة، حتى إن كل الأسماء تشبه بعضها ويجتمعون دون هدف أو رغبة في التغيير، مشيراً إلى أن الموضوعات الجادة التي يطرحها، مثل الإرهاب وغيره، جعلت عروض مسرحياته تستعيد لافتة «كامل العدد».
وقدَّم الفنان التشكيلي الكويتي عبد العزيز التميمي تمثالاً هدية للكاتب محمد سلماوي. وتوالت الدراسات النقدية التي تناولت المُنجز الإبداعي لمحمد سلماوي، خصوصاً أعماله المسرحية والسيرة الذاتية. وتحدَّث الكاتب أحمد فضل شبلول عن أدب السيرة الذاتية عند محمد سلماوي، والتي صدرت في جزأين؛ الأول بعنوان «يوماً أو بعض يوم»، والثاني بعنوان «العصف والريحان»، موضحاً أن «هذه المذكرات لا تتضمن سيرة سلماوي فحسب، بل تنطوي على جزء من سيرة مصر ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، حيث يمزج بين حياته والأحداث الكبرى التي مرت على مصر منذ عصر السادات حتى اليوم، متناولاً ثورة يناير وحضوره في لجنة الخمسين لكتابة الدستور متحدثاً باسم اللجنة».

وقال منير عتيبة إن السيرة الذاتية لسلماوي بها كثير من الكشف والمصارحة والتحليل للمواقف الشخصية والوطنية، على خلاف ما اعتاده كُتاب المذكرات في الوطن العربي.
وقدَّم الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، مداخلة حول رواية أوديب في الطائرة، مشيراً إلى أنها تجمع بين الأسطورة والتاريخ وحركة الزمن في بنيةٍ سردية تحمل رهانات شتى. كما شارك بتقديم دراسات نقدية، خلال الاحتفالية، الدكتور محمد أمين عبد الصمد، والدكتورة عزة بدر، والكاتبة رنا عبد القوي.


