تعشق اللبنانية لينا جودي مدينة صُور الجنوبية التي شهدت على طفولتها وشبابها وتفتُّح موهبتها. فهي لا تزال تستقر فيها، وتعدّها مصدر إلهام لا يجفّ لتصاميم مجوهراتها المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتاريخها، وبلبنان عموماً. أعمالها لفتت وزارة الثقافة، فساندتها وشدّت على يدها لإكمال الطريق. من هذه المدينة، وُلدت مجموعة تصاميمها للمجوهرات «أسطورتي – صور أصل الحكاية».
الرحلة بدأت قبل 7 سنوات، حين انتقلت من تخصُّصها في علم النفس إلى عالمَي الجمال والتصميم. قرارها جاء على إثر وفاة والدها. عادت إلى لبنان، وسكنت في مدينتها مصطحبةً أولادها ليتشرّبوا حبّ الأرض كما فعلت. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تأثّرتُ كثيراً برحيل والدي، وبينما أصلّي أمام قبره، وُلدت الفكرة. شعرتُ بأن تراب صُور صار مجبولاً بترابه. نظرتُ إلى معالم المدينة وآثارها قرب المدفن، فرأيتها بصورة مغايرة. عندها قرّرتُ تكريمه من خلال كتاب تصاميم استوحيته من المكان».
في تلك اللحظة، دقّقت جودي في الآثار وغاصت في زخرفتها. استغرق الأمر وقتاً لتُنجز هديتها إلى والدها ومدينتها، وبعدها ولدت مجموعتها «أسطورتي» للمجوهرات التاريخية. توضح: «جمعتُ في تصاميمي التاريخ القديم لصُور والحداثة التي نعيشها. وبالألماس، والذهب، والأحجار الكريمة، ترجمتُ جمالها ووفائي لوالدي».
المجموعة تتألف من 5 حقبات شهدتها المدينة، مسقطها: الفينيقية، والرومانية، والبيزنطية، والإغريقية، والإسلام، لكل منها تصاميم مختلفة. خصّصتْ حيّزاً كبيراً من موضوعاتها لنساء صُور الشهيرات، وللمرأة الناجحة في تلك الحقبات. كما رغبتْ في إبراز الاختلاف بين المجتمعات اللبنانية من خلال تلك القطع. تتابع: «هذا الاختلاف ترجمتُه باستعمالي صوراً ومواد لا تتشابه، لكنها معاً تؤلّف تغليفة جميلة ونادرة. إنها حال مجتمعنا الذي لا يشبه غيره بانفتاحه وتعدّديته، وهو ما نلحظه في علاقاتنا بحالات الزواج، والصداقة، والحبّ، وغيرها».
تكمل أنّ مشروعها «أسطورتي» أسهم في نضجها وتناولها الحياة من منظار آخر: «وضعتُ، ضمن كتاب يتألّف من 86 صفحة، المعلومات والقصص التي توثّق ثقافاتنا، فنتجت عنها حكاية صُور العظيمة بانفتاحها وتصديرها لملكات تركن بحنكتهنّ بصمات عبر التاريخ. كما تناولتُ الحسَّ التجاري لدى اللبناني الموروث عن الفينيقيين، بالإضافة إلى ولادة الحَرف من رحم هذه الأرض، أسوةً بالصباغ الأرجواني، والأساطير، والحكايات الشهيرة الأخرى».
تعكس تصاميم لينا جودي قوّة النساء اللبنانيات وجرأتهن على تغيير واقعهن. من جلد ثور الملكة إليسار استلهمتْ فكرة، ومن أوروبا المخطوفة من قِبل زوس ألّفتْ تصميماً آخر، ومن أحجار وورود وزخرفات معالم أثرية زيّنتْ قطعها الفنية.
تتابع: «كانت للحلى في تلك الحقبات أهميتها عند النساء. ومن قطع معدنية تاريخية، رويتُ حكاياتي بتصاميمي. واستخدمتُ الذهب والألماس لإعطائها نفحة تاريخية راقية وفخمة. كما لوّنتُ تلك القطع لأمنحها روح الحياة. طوّرتُ في الأساطير لحَمْلها إلى الحداثة. ومن نقوش النواويس والملاعب الرومانية، تحدّثتُ عن حضارات إسبانية وبيزنطية. حتى ورق الغار ودوره المهم عند ملوك تلك الحقبات، استخدمته في تصاميمي، فعكستُ كل ما رسمته في خيالي من جمالية وفنّ. وعبر صوَر فوتوغرافية وتسجيلات فيديو، رويتُ قصة كل تصميم بدقيقة. وركنتُ إلى الذكاء الاصطناعي لأولّد شكل الملوك في تلك الحقبات».
وعن كيفية انضمامها إلى المسلسل السوري «تاج» (من بطولة تيم حسن، وعُرِض في رمضان)، توضح: «حصل ذلك من خلال كتابي، فاستعملوا اسم مجموعتي (أسطورتي) لمحل مجوهرات يقع في مدينة المرجة السورية، بُني خصيصاً لتصوير هذا العمل التاريخي. وارتدت بطلته فايا يونان سلسلة ذهبية من تصميمي».
تتوجّه لينا جودي قريباً إلى طرابلس الشمالية لتأليف مجموعة تصاميم: «أنكبُّ على مشروعي وأزور المدينة يومياً. وبطلب من وزارة الثقافة، أستوحي تصاميم قطع المجوهرات من معالمها الحاضرة على لوغو (طرابلس عاصمة الثقافة العربية)، من بينها معرض رشيد كرامي، والجوامع، والكنائس، وقلاعها الشهيرة».
تختم لـ«الشرق الأوسط»: «أعشق لبنان ومدنه، ولصُور مكانة كبيرة عندي. أعدُّها قطعة من قلبي، وتصاميمي هي امتداد لكلّ هذا الحبّ الذي أكنُّه لبلدي. أتمنى أن تثير عند اللبنانيين مشاعر الوفاء لأرض أعطتهم كثيراً».