الخرف مرض قاسٍ يؤثّر ليس فقط في نحو 7 ملايين شخص (والعدد في تزايد)، بل في أحبّائهم أيضاً. ومع أعراض تشمل مشكلات في الكلام، وفقدان الذاكرة، وتقلّبات المزاج، وصعوبة إنجاز المهام وغيرها، ليس غريباً أن يسعى الكثيرون لتجنّب المرض قدر الإمكان ومساعدة أصدقائهم وعائلاتهم على فعل الشيء نفسه.
ووفق تقرير نشره موقع «هاف بوست»، عندما يتعلّق الأمر بالعوامل التي يمكن أن تقلّل خطر الخرف، يشير الخبراء إلى أمثلة عديدة، مثل تنشيط الدماغ، وممارسة التمارين الرياضية، وقضاء الوقت مع الآخرين، وحتى القيام بالأعمال المنزلية. وبحسب دراسة نُشرت عام 2025 في المجلة الأميركية لطب نفس الشيخوخة، هناك عامل جديد يجب إضافته إلى القائمة: امتلاك هدف أو معنى في الحياة.
على مدى متابعة شملت أكثر من 13 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 45 عاماً وما فوق، ولمدّة وصلت إلى 15 سنة، وجدت الدراسة أن الأفراد الذين أبلغوا عن إحساس أعلى بالمعنى أو الهدف في حياتهم كانوا أقل عرضة للإصابة بالضعف المعرفي - بما في ذلك الخرف - بنسبة تقارب 28 في المائة.
ورغم أن التمسّك بالأمل والبقاء على اطّلاع على الأبحاث الحديثة أمر مهم، فإنه من الضروري أيضاً التذكير بأن ما توصّلت إليه الدراسة هو ارتباط وليس علاقة سببية.
بمعنى آخر، لا نعرف ما إذا كان الشعور بوجود هدف في الحياة هو ما يقلّل خطر الخرف، أم أن انخفاض أعراض الخرف هو ما يجعل الناس يشعرون بأن لحياتهم هدفاً.
وتقول الدكتورة روندا فوسكول، أستاذة طب الأعصاب في جامعة كاليفورنيا: «لا ينبغي لهذا أن يثني الناس عن السعي لإيجاد هدف لحياتهم، لأن الأمر في كثير من الأحيان، علمياً، يكون الخيار الثالث: كلاهما»، مضيفة: «فقد يتفاعل عاملان معاً إمّا ليدفعا الإنسان نحو تحسّن مستمر أو نحو تدهور متسارع».
فيما يلي، يشرح الخبراء الأساس العلمي وراء نتائج الدراسة وكيف يمكن للمرء أن يكتشف هدفه في الحياة.
الهدف في الحياة يقلّل خطر الخرف
باختصار، الإحساس بوجود هدف في الحياة يمكن أن يعزّز الدافع للانخراط في سلوكيات صحية، مما يدعم صحّة الدماغ ويحمي الوظائف المعرفية.
وقال اختصاصي طب الشيخوخة الدكتور جورج هنّاوي (وهو غير مشارك في الدراسة): «قد يدفع الشعور بالهدف إلى تبنّي سلوكيات صحية أكثر، مثل زيادة النشاط البدني، وتحسين النوم، والانخراط اجتماعياً. وبشكل طبيعي، يخفّف ذلك من مشاعر الوحدة والاكتئاب ويعزّز القدرة على تحمّل الضغوط - وهي جميعها عوامل معروفة بدعم الصحة المعرفية وتقليل خطر الخرف». ووافقت فوسكول على ذلك، قائلة: «الإحساس بأن للحياة هدفاً يدفع الأشخاص للتفاعل أكثر مع محيطهم - جسدياً بالخروج والقيام بالأنشطة، أو ذهنياً بالقراءة والانشغال في المنزل. هذه التفاعلات تعمل كنوع من التمرين أو التدريب المعرفي، مما يساعد في الحفاظ على صحة ذهنية أفضل».
تدعم حقائق علمية أخرى نتائج هذه الدراسة. فهناك أولاً مسألة المرونة العصبية، أي قدرة الدماغ على التغيّر والتكيّف بشكل إيجابي استجابةً لتجارب جديدة ومحفّزات مختلفة. ومن خلال الانخراط في أنشطة مثل التمارين الرياضية والتواصل الاجتماعي، لا يمكن للمرء أن يعزّز إحساسه بالهدف فحسب، بل أن يقوّي صحّة دماغه أيضاً.
وتضيف فوسكول أن الروح والمعنويات تشكّل تفسيراً آخر. فقد وجدت أن الشعور بوجود هدف في الحياة يمكن أن يرفع المزاج ويحسّن الحالة النفسية، وهو ما يعود بالفائدة على العقل.
وتوضح قائلة: «تماماً كما يعتمد الدماغ مادياً على القلب لضخ الدم إليه، يعتمد العقل على الروح كدعم غير ملموس. على سبيل المثال، تتغيّر بعض المواد الكيميائية في الدماغ عندما يكون الإنسان سعيداً مقارنةً بكونه حزيناً».
كما تُظهر دراسات إضافية أن الأشخاص الذين يشعرون بالمعنى والهدف في حياتهم يكونون أكثر سعادة، وأن هذه السعادة قد تساهم في خفض خطر الإصابة بالخرف - والعكس صحيح أيضاً.
كيف تعثر على هدفك في الحياة؟
قد يكون لديك بالفعل شعور بالهدف نابع من هويتك، أو عملك، أو أي جانب آخر من حياتك. فقد تشعر بالمعنى عندما تُربّي أطفالك، أو تعمل بجد في وظيفتك، على سبيل المثال.
إذا لم يكن لديك شعور واضح بالهدف، فهذا لا يعني أنك بلا هدف - فلكل شخص غاية في حياته. لكن كيف تكتشف غايتك؟
بالنسبة لفوسكول، يكمن الأمر في الانفتاح على التجارب الجديدة. تقول: «البقاء شابّاً في القلب يعني أن تكون فضولياً، وأن تتعلّم وتستكشف. هذا قد يقودك إلى أشياء تحرّك خيالك وتجد فيها هدفك».
أمّا هنّاوي فيشير إلى أن العملية تتطلّب خطوات متعددة مع الأخذ في الاعتبار أهمية تخصيص التوصيات بما يناسب ميول كل شخص وقدراته، لضمان استمرار التفاعل.
ومن بين الأمثلة التي قدّمها: تنشيط العقل عبر أنشطة مثل الشطرنج والقراءة وألعاب تدريب الدماغ، ممارسة الفنون كالرسم والتلوين والاستماع إلى الموسيقى أو عزفها، الانخراط في أنشطة حياتية مثل مجموعات الرياضة والطبخ والتواصل الاجتماعي.
فهذه الأنشطة تعزّز الصحة وترفع مستويات الدوبامين، ما يساعد الشخص على الشعور بالسعادة والمكافأة.
ويضيف هنّاوي: «أحرص أيضاً على تعزيز الشعور بالهدف حتى لدى المرضى الذين يعانون تراجعاً معرفياً، من خلال أنشطة مثل استحضار الذكريات، إعداد ألبومات الصور، وسماع موسيقى الماضي، ومشاهدة أفلام وقراءة كتب من حقبات معيّنة».

