هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ميكروبات تصيب الدماغ تؤدي إلى التهاب عصبي يقود إلى ظهوره

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

صحتك كيف تنقص الوزن بشكل دائم؟ (شاترستوك)

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

دائماً ما يوجد حولنا أشخاص «يتمتعون بعملية أيض سريعة»، أو على الأقل نعتقد ذلك، هؤلاء الأشخاص لديهم شهية كبيرة، ومع ذلك لا يكتسبون وزناً أبداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الضغط الإضافي قد يؤدي إلى إتلاف ممرات الأنف ما يزيد من فرص حدوث نزيف مؤلم (رويترز)

طريقة تنظيف أنفك الخاطئة قد تضر بك... ما الأسلوب الأمثل لذلك؟

لقد لجأ مؤخراً أخصائي الحساسية المعتمد زاكاري روبين إلى منصة «تيك توك» لتحذير متابعيه البالغ عددهم 1.4 مليون شخص من العواقب الخطيرة لتنظيف الأنف بشكل خاطئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)
تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)
TT

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)
تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر ويضيفون سنوات إلى حياتنا، ولكنه لفت إلى أن بعض الأبحاث خلصت إلى أن العلاقات السيئة أو المتضاربة أكثر ضرراً من عدمها، لذلك نصح الموقع بأنه قد يكون من الحكمة تقييم ما إذا كانت صداقاتك لا تزال تلائم حياتك بالطريقة التي كانت عليها عندما بدأت.

وقالت الدكتورة سوزان ديجز وايت، الأستاذة بجامعة نورث إلينوي الأميركية، في مقال نشره «سيكولوجي توداي» إنه حتى علاقة الصداقة التي عددناها وثيقة ذات يوم قد تنتهي.

وذكرت أن الصداقات تنشأ عموماً بسبب أحد هذه العوامل الثلاثة:

الاهتمامات المشتركة

نظراً لأن اهتماماتنا قد تتغير بمرور السنين، فإن الصداقات التي بُنيت على هوايات مشتركة، على سبيل المثال، قد لا تدوم مدى الحياة إذا كان محور العلاقة هو ذلك الاهتمام المشترك.

مرحلة الحياة المشتركة

نظراً للطريقة التي تتكشف بها حياتنا وتتشكل بها ثقافتنا، فإننا نقضي قدراً كبيراً من الوقت مع أشخاص في نفس الفئة العمرية مثلنا؛ من الحضانة إلى الملاعب إلى المرحلة الابتدائية وحتى المدرسة الثانوية. نحن جميعاً محاطون بزملاء في نفس العمر.

وقد نتوجه إلى المدرسة أو نبدأ حياتنا المهنية، فإننا مرة أخرى من بين أولئك الذين من المحتمَل أن يكونوا في المرحلة العمرية ذاتها التي نشغلها؛ طالب أو موظف، ولكن عندما يسلك صديقان طرقاً مختلفة، فقد تتلاشى الصداقة، حيث تتباعد مساراتهما على نطاق واسع جداً بحيث لا يمكن سد الفجوة.

القرب

قد يشير القرب إلى الأشخاص الذين تعمل بجانبهم، أو المستأجرين في المبنى السكني الذي تعيش فيه، أو جيرانك في المنطقة؛ فكلما تعاملنا مع شخص لشخص ما، زاد ميلنا إلى تطوير مشاعر إيجابية تجاهه، ولكن إذا كان مفتاح الصداقة هو القرب، فإن الانتقال إلى مكتب أو منزل جديدين قد يشير إلى نهاية الصداقة.

وذكرت أنه على الرغم من أن الشخص قد يكون لديه الآلاف من الأصدقاء أو المتابعين، فإن هناك حداً لعدد الصداقات الحقيقية الفردية التي يمكن للشخص إدارتها؛ فلدينا فقط قدر محدود من «القدرة الاجتماعية» للالتزام بالصداقات، لذلك من الطبيعي تماماً أن تفقد الصداقات الأقل قرباً أو الأكثر كثافة في العمل شدتها أو قيمتها بمرور الوقت، وقد نشعر بالحزن قليلاً عندما نرى أن الصداقات القريبة أصبحت أكثر بعداً، لكن هذا جزء من عملية التطور البشري والحدود البشرية.

ولفتت إلى وجود أسباب أخرى قد تجعل الصداقة غير مناسبة، فمثلاً عندما يشعر شخص ما بأنه «مدين» لآخر بصداقته، فلن تعود هذه الصداقة من النوع الذي يجلب أكبر قدر من السعادة.

وكذلك عندما نشفق على شخص ما، فإن هذا أيضاً قد يؤدي إلى الحفاظ على الصداقة لفترة أطول من المعتاد.

وتكمن المشكلة في هذا النوع من التوازن في العلاقات؛ حيث يجب أن يشعر الأصدقاء بأنهم على مستوى متساوٍ مع بعضهم البعض - بغض النظر عن الاختلافات الموجودة؛ سواء في الدخل أو التعليم أو العمر أو الخبرة.

هل ستعرف متى تنتهي علاقة الصداقة؟

قالت وايت إنه في بعض الأحيان لا يمكن لصديق أن يكون موجوداً بالطريقة التي نريده أن يكون بها، أو بالطريقة التي يريدها. وعندما يحدث هذا، فسيطرح الصديق الجيد الموضوع، وستؤدي محادثة مثمرة في بعض الأحيان إلى «أخذ استراحة» من الصداقات، عندما تطغى عليهم الحياة بمسؤوليات أخرى.

ويقبل الأصدقاء الجيدون بمفهوم أن الأصدقاء لديهم حياتهم الخاصة الكاملة وأحياناً لا توجد مساحة كافية لهم في حياتهم.

وذكرت أنه عندما تدرك أنك لم تتحدث مع صديق منذ شهور ولكنك لا ترغب في الرد على الهاتف، فهذه علامة على أن الصداقة ربما انتهت.

ومن الناحية المثالية، سيدرك كل من الصديقين أن صداقتهما لم تعد تحظى بالأولوية التي كانت عليها من قبل، وسيتقبلان نهايتها. وعندما لا يتمكن أي من الشخصين من الالتزام بلقاء أو الرد بسرعة على الرسائل النصية أو المكالمات، فقد يكون ذلك علامة على أن العلاقة تقترب من نهايتها الطبيعية.

وقد لا يعترف كل منهما للآخر بأن رغبتهما في الحفاظ على الصداقة قد تضاءلت، لكن ابتعادهما المتبادل يرسل هذه الرسالة.

هل يمكنك إحياء صداقة تركتها تتلاشى؟

الناس ديناميكيون، وليسوا ثابتين، وتتغير احتياجاتنا وقدراتنا بمرور الوقت، وقد تتغير الظروف التي أدت إلى نهاية صداقة سابقة، وقد تشعر بالرغبة في التواصل مرة أخرى لإحياء الصداقة.

وقالت: «تذكَّر أن الصداقات طوعية، وقد لا يؤدي التواصل مع صديق قديم دائماً إلى النتيجة التي تريدها، ولكن إذا شعرت بالحاجة إلى إعادة الاتصال»، وقدمت بعض الأفكار:

أرسل بطاقة بالبريد

أصبح الحصول على قطعة من البريد التقليدي أمراً نادراً، هذه الأيام، لذا فإن تلقي بطاقة تهنئة برسالة شخصية دافئة قد يبدو وكأنه هدية.

أرسل رسالة نصية إلى الصديق القديم، وأخبره بأنك فكرتَ فيه في ذلك اليوم.

عبر الهاتف

أخبره أنك كنت تفكر فيه، وادعه لمشاركة ما يجري في حياته، وعبِّر عن اهتمامك به.

هل أنت الصديق الذي لم يعد مناسباً؟

في بعض الأحيان نشعر بأننا لسنا مهمين لصديق كما يجب أن نكون، من وجهة نظرنا، وقد يتساءل البعض منا عما إذا كنا قد فعلنا شيئاً خاطئاً لم ندركه. لكن قد لا يكون الأمر متعلقاً بك، فقد يكون الأمر فقط أن الصداقة المتينة لم تعد موجودة بعد الآن.

ومن المهم أن يطور الناس علاقات واسعة حتى لا تتوقع من شخص واحد أن يلبي جميع احتياجاته.