تطورات حديثة في تقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والوقاية منها

أدوات رقمية مبتكرة لرعاية صحية أفضل

تطورات حديثة في تقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والوقاية منها
TT

تطورات حديثة في تقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والوقاية منها

تطورات حديثة في تقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والوقاية منها

تُعد أمراض القلب أحد أبرز التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين؛ حيث تُسجل ما يقارب 17.9 مليون حالة وفاة سنوياً، وهو ما يمثّل نحو 32 في المائة من إجمالي الوفيات العالمية.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تُعد هذه الأمراض السبب الرئيسي للوفاة، ويُتوقع أن تزداد الأرقام إذا لم تُتخذ إجراءات فعّالة للوقاية والتشخيص المبكر.

أداة مبتكرة لتقييم المخاطر

وفي هذا السياق، تؤكد الدراسات على أن نمط الحياة يلعب دوراً حاسماً في صحة القلب؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن نحو 80 في المائة من حالات أمراض القلب يمكن الوقاية منها من خلال تغييرات في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني بانتظام، والتحكم في مستويات التوتر.

تُظهر الأرقام أيضاً أن التعرض للتوتر والإجهاد يُعد عاملَ خطرٍ رئيسياً؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 40 في المائة. لذلك، فإن تطوير أدوات تقييم فعالة يُعد أمراً حيوياً.

وفي هذا الإطار، تزداد الابتكارات التكنولوجية التي تهدف إلى تحسين تقييم المخاطر المرتبطة بصحة القلب، من بينها أداة رقمية مبتكرة هي «أداة تقييم المخاطر على القلب» (Heart Risk Assessment Tool) تم إطلاقها حديثاً في المملكة، تُعد خطوة متقدمة نحو تعزيز الوقاية والكشف المبكر عن أمراض القلب، وتعمل على تحديد المخاطر المحتملة من دون الحاجة إلى فحوصات مختبرية؛ مما يسهل عملية الكشف المبكر. كما تساهم في تعزيز وعي المرضى وتوفير معلومات دقيقة حول صحتهم القلبية. ومع ازدياد الأعباء الصحية الناتجة عن أمراض القلب، تظهر أهمية هذه الابتكارات التي قد تُحدث تحولاً في كيفية تعاملنا مع المخاطر القلبية، ما يمكّن الأفراد من اتخاذ خطوات فعّالة نحو تحسين صحة قلوبهم والوقاية من المضاعفات الخطيرة.

وسوف نستعرض التطورات الحديثة في هذا المجال، ونناقش كيفية تطبيق هذه الأدوات في روتين الرعاية الصحية اليومي، آملين أن نتمكن من اتخاذ خطوات إيجابية نحو صحة قلوبنا، وتبني نمط حياة يعزز من الوقاية ويقلل من المخاطر.

أهمية اتباع نمط حياة صحي

ما هي الأدوار التي تلعبها الأساليب الصحية كممارسة الرياضة اليومية والأنظمة الغذائية والتحكّم بالتوتّر والإجهاد في تعزيز صحّة القلب والسيطرة على أمراض القلب؟

تحدث إلى «صحتك» الدكتور عادل طاش، جراح قلب (بالغين)، وجراح قصور القلب المتقدم، والمدير العام لمركز القلب الوطني والمشرف العام على مراكز القلب بوزارة الصحة في المملكة العربية السعودية؛ مؤكداً على أنّ نمط الحياة الصحي، بما فيه النظام الغذائي السليم وممارسة الرياضة، مهم جداً لحصر المضاعفات واستكمال دور الأدوية. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن التوتّر والإجهاد من الأسباب الرئيسية لأمراض القلب وتفاقمها، ما يجعل من الضروري تبني أساليب للحدّ من التوتر وآثاره.

أما عن العلاج الدوائي فأوضح أنه ضروري للسيطرة على أمراض القلب والحدّ من المخاطر الناجمة عن أمراض العصر الشائعة مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول.

الكشف المبكر والفحوصات الدورية

أضاف الدكتور عادل طاش أن التشخيص في الوقت المناسب أمر بالغ الأهمية لحالات القلب الحرجة، لكن الأبحاث التشخيصية الحالية غالباً ما تستغرق قدراً كبيراً من الوقت، ومن حسن الحظ أنّ تشخيص وعلاج أمراض القلب حقّقا تقدّماً كبيراً، في العقد الأخير. فالكثير من طرق التشخيص، سواء الفحوصات المختبرية أو الأشعة التصويرية، باتت سريعةً ولم تَعُد تستغرق وقتاً طويلاً، كما كان العهد بها سابقاً. ومع ذلك، غالباً ما يحدث تأخير بسبب عدم خضوع المرضى للفحص المبكر، وخصوصاً المرضى الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بأمراض القلب، إضافة إلى أن بعضاً منهم لا يسعون للحصول على النصيحة الطبية على الفور. ويُنصح المرضى ذوو الخطر العالي، مثل مرضى السكّري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والمدخّنين أو الذين لديهم عامل وراثي قوّي لأمراض القلب، بالخضوع للفحص المبكر وإجراء فحوصات دورية.

الوقاية من المضاعفات الخطيرة

أشار الدكتور عادل طاش إلى أنه من الممكن مساعدة مرضى القلب على تجنب المضاعفات الخطيرة، فهناك ثوابت أساسية للحفاظ على صحة القلب وضمان عمله بكفاءة طوال حياتنا. ولمساعدة المرضى المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين على تفادي المضاعفات الخطيرة، من المهم اتباع نهج شامل يضمّ ما يلي:

• اتباع نظام غذائي متوازن، غني بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية؛ هو أمر بالغ الأهمية لتوفير العناصر الغذائية الضرورية والحفاظ على مستويات الكوليسترول المثالية.

• ممارسة النشاط البدني المنتظم، كالمشي والسباحة وركوب الدرّاجة، فإنها تساعد على تقوية صحة القلب وتحسين الدورة الدموية وتخفيض الوزن.

• التحكم في التوتر، من خلال ممارسات مثل اليقظة الذهنية أو التأمل أو اليوجا، فإنه يُعد أمراً مهماً؛ إذ يمكن أن يؤثر التوتر المزمن على صحة القلب سلبياً.

• تجنّب العادات الضارة، مثل التدخين، يُعدّ أمراً حيوياً، حيث إنه يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب.

• عمل الفحوصات الطبية المنتظمة، فمثلاً من الممكن أن تساعد فحوصات ضغط الدم والكوليسترول والسكري وتصلب الشرايين المتقدّم، قبل ظهور أي أعراض، في الكشف عن أمراض القلب والأوعية الدموية وعلاجها في وقت مبكر.

• الحفاظ على وزن صحي، وأيضاً الحصول على قسط كافٍ من النوم كل ليلة، فإنهما يدعمان صحة القلب بشكل عام.

من خلال الالتزام بهذه الأسس، يمكننا تعزيز صحة القلب وضمان عمله بكفاءة طوال حياتنا.

تطورات تقييم مخاطر أمراض القلب

• مستشفى صحة «الافتراضي» منصة فريدة من نوعها وذات رؤية في التطبيب عن بُعد، أطلقتها وزارة الصحة السعودية لتوسيع آفاق إمكانيات الوصول إلى الخدمات الطبية ولتحسين الخدمات المقدمة في مجال الرعاية الصحية كجزء من أهداف رؤية 2030. وقدمت، في هذه المنصة، شركة هيوما مسار «الرعاية لمرضى السكري» ضمن مسارات المستشفى الافتراضي، وذلك إضافة إلى تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب.

• حملة «احمِ قلبك»، يتم في هذه الحملة فحص مليون مواطن ممن هم عرضة للإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين، كجزء من التزام باير وهيوما ثيرابيوتيكس (Huma Therapeutics) مع وزارة الصحة السعودية والمركز الوطني للقلب لتعزيز صحة ورفاهية المواطنين وتطوير حلول الصحة الرقمية، في المملكة، التي تؤثر حقاً على حياة الناس وتؤكد أهمية الوقاية والكشف المبكر عن أمراض القلب والأوعية الدموية التي تُعد من الأسباب الرئيسية للوفاة في المملكة.

• أداة رقمية مبتكرة، خلال شهر مايو (أيار) الماضي من عام 2024، أطلقت باير بالتعاون مع شركة هيوما ثيرابيوتيكس في المملكة العربية السعودية، أداةً رقمية (أداة باير أسبرين - Heart Risk Assessment Tool) مصممة لتقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والكشف المبكر عنها.

عن هذه الأداة الرقمية، أوضح لـ«صحتك» الدكتور ماجد الشاذلي، المدير العام لشركة باير السعودية والقائد التجاري لشركة باير لصحة المستهلك، أنها خطوة تتماشى مع الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 من حيث معالجة التحدّيات الصحية الرئيسية، والحد من أعباء الأمراض غير المعدية، بما فيها أمراض القلب وتصلب الشرايين، على مواطني المملكة والمقيمين فيها، كما أنها تدعم برنامج التحول في قطاع الرعاية الصحية بالمملكة، الذي وضع ضمن أولوياته الوطنية التخفيف من الأعباء الصحية والاقتصادية للأمراض القلبية الوعائية، وهي تُعد من الأمراض الرئيسية المسببة للوفاة في السعودية، مثل السكتات القلبية والقصور القلبي الوعائي، وذلك من خلال توفير سبل الوقاية منها.

تعمل هذه الأداة على تقييم خطر إصابة الأفراد بأمراض القلب والأوعية الدموية على مدى السنوات العشر التالية، من دون الحاجة إلى فحوصات مختبرية أو إجراء اختبار الدم أو قياس ضغط الدم. وقد ابتكرت هيوما خوارزمية الكشف عبر الاستفادة من البيانات التي قامت بجمعها على مدار فترة طويلة تقارب 15 عاماً لنحو 500 ألف فرد من قاعدة بيانات البنك الحيوي للمملكة المتحدة، وكشف البحث السريري لهذه الخوارزمية، الذي تمت مراجعته من قبل خبراء من الجمعية الأوروبية لطب القلب، أن أداة تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب تتميز بإمكانية تشخيص دقيق على نحو جيد بالمقارنة مع الأدوات الأخرى المتعارف عليها كمعيار أساسي لتقييم صحة القلب. ومن شأن مثل هذه التطورات تعزيز الكشف المبكر والوقاية ودعم المبادرة العالمية للحد من أعباء أمراض القلب والأوعية الدموية. ومن خلال التركيز على هذه المجالات، يمكننا مساعدة المرضى المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في الحفاظ على صحة أفضل وتجنب المضاعفات الخطيرة.

وأخيراً، أكد الدكتور الشاذلي على ضرورة توجه المرضى أولاً ودائماً لاستشارة الطبيب الخاص بهم حول صحة قلوبهم فالأداة الرقمية لتقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب لن تحل محل التقييم الذي يجريه اختصاصي الرعاية الصحية.

ختاماً، يتضح أن هذه الابتكارات التكنولوجية الحديثة تمثّل خطوة بارزة نحو تعزيز الوقاية والكشف المبكر عن أمراض القلب ومن خلال استخدامها يمكن الحصول على تقييم دقيق للمخاطر الصحية دون الحاجة إلى إجراءات معقدة أو فحوصات مكلفة.

لكن يبقى دور نمط الحياة الصحي محورياً؛ حيث يمكن أن تُحدث تغييراتٌ بسيطة في النظام الغذائي، والنشاط البدني، وأساليب التعامل مع التوتر؛ فارقاً كبيراً في الوقاية من الأمراض القلبية، خصوصاً للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة.

كما يجب أن نعمل جميعاً على تغيير ثقافة الرعاية الصحية لتكون أكثر تركيزاً على الوقاية، ودمج هذه الأدوات الجديدة ضمن استراتيجياتنا الصحية العامة. من خلال التعاون بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى، يمكننا بناء مجتمع أكثر صحة ووعياً، ما يسهم في تقليل الأعباء الناتجة عن أمراض القلب وتحسين نوعية الحياة للجميع.

إن الحفاظ على صحة القلب ليس مجرد خيار، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب منا جميعاً اتخاذ خطوات فعّالة ومدروسة.

* استشاري طب المجتمع



صداقات «السوشيال ميديا» تعزز الثقة بالنفس

منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة كثيرين (رويترز)
منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة كثيرين (رويترز)
TT

صداقات «السوشيال ميديا» تعزز الثقة بالنفس

منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة كثيرين (رويترز)
منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة كثيرين (رويترز)

توصلت دراسة أميركية حديثة إلى أن جودة الصداقات عبر الشبكات الاجتماعية يمكن أن تسهم في تقليل الشعور بالوحدة، وتعزيز احترام الذات، والثقة بالنفس، مما يقلل من مخاطر الاكتئاب.

وأوضح باحثو جامعة أركنساس في الدراسة التي نُشرت نتائجها، في دورية «Telematics and Informatics»، أن الصداقات الرقمية قد تساعد في كسر الحواجز الاجتماعية، وتشجيع التفاعل الاجتماعي الواقعي. ورغم الانتقادات التي تشير إلى أن هذه العلاقات الافتراضية أقل عمقاً مقارنة بالعلاقات الواقعية، أظهرت الدراسة أن الصداقات المبنية على الاهتمامات المشتركة والدعم المتبادل، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية.

وقد شملت الدراسة مسحاً لآراء 1500 مشارك، تابع الباحثون أكثر من نصفهم بعد مرور 6 أسابيع. وهدفت إلى دراسة تأثير جودة الصداقات على تقدير الذات الدائم والشعور بالوحدة، مع التمييز بين تقدير الذات الدائم الذي يُعد أكثر استقراراً، وتقدير الذات المؤقت الذي يتغير تبعاً للمواقف، مثل الحصول على إعجاب على منشور في وسائل التواصل الاجتماعي.

وطُلب من المشاركين تقييم عبارات مثل «أنا شخص ذو قيمة»، و«أعتقد أن لدي صفات جيدة» على مقياس من 5 نقاط، بالإضافة إلى استبيانات حول شعورهم بالعزلة أو الاستبعاد، خلال الأسبوع الماضي.

وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين شعروا بالقرب والرفقة مع أصدقائهم عبر الشبكات الاجتماعية، شهدوا زيادة ملحوظة في احترام الذات، وهو ما انعكس على تقليل مستويات الوحدة لديهم. واستمر التحسن بعد مرور 6 أسابيع. وكانت هذه التأثيرات أكثر وضوحاً لدى الفئات السنية بين 18 و39 عاماً، بينما كانت أقل تأثيراً على الأفراد الذين تجاوزت سنهم 50 عاماً. وبيَّنت الدراسة أن الأفراد الأكبر سناً قد لا يعدُّون الصداقات الرقمية مكملة للعلاقات الواقعية، مما يجعل تأثيرها أقل إيجابية عليهم.

وأكد الباحثون أن استخدام الشبكات الاجتماعية بطرق إيجابية وموجهة نحو بناء علاقات ذات جودة عالية، يمكن أن يقلل من الشعور بالعزلة الاجتماعية، مما يساهم في تقليل مخاطر الانتحار. واقترح الباحثون الانضمام إلى مجموعات رقمية تهتم بمواضيع غير سياسية قائمة على الاهتمامات المشتركة، مثل تشجيع فريق رياضي معين، أو ممارسة هوايات، كالمشي في الطبيعة أو الزراعة أو مراقبة الطيور. وأشاروا إلى أن هذه الأنشطة يمكن أن تساعد في توسيع الروابط الاجتماعية وتعزيز التفاعل الواقعي، مما يُعزز من الشعور بالرفقة والتقارب.

تجدر الإشارة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة كثيرين؛ حيث تتيح وسيلة فعّالة للتواصل وبناء علاقات اجتماعية، رغم البعد الجغرافي.