أول دواء لتخفيف «انفعالات الهيجان» لدى مرضى ألزهايمر

لتقليل الاضطرابات السلوكية والنفسية

أول دواء لتخفيف «انفعالات الهيجان» لدى مرضى ألزهايمر
TT

أول دواء لتخفيف «انفعالات الهيجان» لدى مرضى ألزهايمر

أول دواء لتخفيف «انفعالات الهيجان» لدى مرضى ألزهايمر

منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية «FDA» موافقتها على أول دواء يهدف إلى تخفيف «انفعالات الهيجان» لدى المُصابين بمرض ألزهايمر Alzheimer Disease-Linked Agitation. وتأتي هذه الموافقة الصادرة في 11 مايو (أيار) الحالي، بعد النتائج المشجعة للدراسات الإكلينيكية التي أثبتت جدوى تلقي دواء ريكسولتي Rexulti عبر الفم، لتحقيق تحسّن ملحوظ في درجات انفعالات الهيجان لدى المُصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بتلقيهم عقاراً وهمياً.

ويعتبر هذا الدواء المحتوي على عقار بريكسبيبرازول Brexpiprazole، أول «علاج معتمد» من قبل «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» للتحكم في اضطراب انفعالات الهيجان Agitation المرتبط بمرض ألزهايمر. واللافت في الأمر أن الموافقة على دواء ريكسولتي تمت بموجب تصنيف المسار السريع FDA Fast Track، الذي تُسرّع بموجبه «إدارة الغذاء والدواء الأميركية»، مراجعة الأدوية المطلوبة بإلحاح للاستخدام العلاجي. وذلك إما لعلاج الحالات المرضية الخطيرة، وإما لتلبية علاج الحالات التي لا تتوفر لها معالجة معتمدة حتى اليوم، والتي تُصنف بأنها «احتياج طبي لم تتم تلبيته» Unmet Medical Need.

هيجان ألزهايمر

ولتوضيح أهمية الحاجة الماسّة لتوفُّر دواء يتعامل علاجياً مع حالة الهيجان لدى مرضى ألزهايمر، الخَرَف، قال الدكتور تيفاني فارشيوني، مدير قسم الطب النفسي في مركز تقييم الأدوية والبحوث التابع لإدارة الغذاء والدواء الأميركية: «وهذه الأعراض هي الأسباب الرئيسية لتطلب المعيشة المدعومة Assisted Living أو الدخول إلى دور رعاية المسنين، (نتيجة عدم قدرة أفراد الأسرة على تقديم العناية بهؤلاء المرضى الكبار في السن، وحالتهم الصحية والنفسية تتطلب عناية متواصلة ومرهقة لأفراد أسرتهم). كما أنه مرتبط بتسارع تطور المرض (لدى المصابين بمرض ألزهايمر)».

وأضافت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في إعلان موافقتها بالقول: «الخرف هو حالة عصبية خطيرة ومنهكة، وتتميز بالتدهور التدريجي في واحد أو أكثر من المجالات المعرفية في الدماغ. ويمكن أن يُضعف الخرف بشكل خطير من قدرة الفرد على العيش بشكل مستقل».

ويحتاج الأشخاص المصابون بالخرف إلى رعاية دائمة في المنزل أو في السكن. ومرض ألزهايمر هو السبب الأكثر شيوعاً للخرف، وهو اضطراب دماغي تدريجي لا رجعة فيه يؤثر على أكثر من 6.5 (ستة فاصلة خمسة) مليون أميركي. وغالباً ما يعاني مرضى الخرف من اضطرابات سلوكية ونفسية. ويعتبر الهيجان من أكثر جوانب الرعاية إلحاحاً وتعقيداً وتوتراً وتكلفة بين المرضى الذين يعانون الأعراض السلوكية والنفسية للخرف.

وفي التفاصيل، تم التسريع في مراحل إعطاء الموافقة بعد صدور نتائج دراستين لمدة 12 أسبوعاً. وكان المشاركون تتراوح سنهم بين 51 و90 عاماً، ممنْ كان لديهم تشخيص محتمل لخرف ألزهايمر، جنباً إلى جنب مع نوع وتكرار وشدة سلوكيات انفعالات الهيجان التي تتطلب العلاج بإلحاح. وتلقى المرضى في الدراسة الأولى إما 1 وإما 2 ملّغم من ريكسولتي. وفي الدراسة الثانية، تلقوا 2 أو 3 ملّغم من ريكسولتي.

وعلى مدار الـ12 أسبوعاً، تبين للباحثين أن المرضى الذين تلقوا 2 أو 3 ملّغم من الدواء الجديد هذا، حصلت لديهم تحسّنات ذات دلالة إحصائية مهمة، وذات مغزى إكلينيكي مفيد، في تخفيف انفعالات الهيجان، مقارنة بالمرضى الذين تناولوا دواءً وهمياً.

ودعت توصيات إدارة الغذاء والدواء الأميركية ضمن موافقتها، إلى أن يتم إعطاء المرضى الجدد جرعة بمقدار نصف ملّغم يومياً، في أيام الأسبوع الأول. ثم رفع الجرعة إلى 1 ملّغم يومياً، في أيام الأسبوع الثاني. ثم 2 ملّغم بدءاً من اليوم 15، أي أن الجرعة المستهدفة الموصى بها هي 2 ملّغم مرة واحدة يومياً.

* الهيجان هو أحد أكثر جوانب الرعاية شيوعاً وتحدياً بين مرضى الخرف بسبب مرض ألزهايمر... ويمكن أن يشمل أعراضاً تتراوح من القلق إلى العدوان اللفظي والجسدي

عدوانية المرضى

وضمن برنامج المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة NIA حول رعاية ألزهايمر، وتحت عنوان «التعامل مع الهياج والعدوان في مرض ألزهايمر»، قال المعهد: «قد يصبح الأشخاص المصابون بمرض ألزهايمر هائجين أو عدوانيين مع تفاقم المرض. الهيجان يعني أن الشخص قلق أو خائف. وبالتالي لا يبدو أنه قادر على الاستقرار. وقد يتسبب الهيجان في السرعة أو الأرق أو العدوان، وذلك عندما يقوم الشخص بجلد لفظي أو محاولة ضرب أو إيذاء شخص ما».

ويوضح «المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة» أسباب الهياج والعدوان لدى مرضى ألزهايمر. وقال: «في معظم الأحيان، يحدث الهيجان والعدوان لسبب ما. وعندما يحدث، حاول أن تجد السبب. وإذا تعاملت مع الأسباب، فقد يتوقف السلوك. وعلى سبيل المثال، قد يكون لدى الشخص:

- الألم والاكتئاب أو التوتر.

- قلة الراحة أو النوم.

- إمساك.

- ملابس داخلية متسخة أو حفاضات.

- التغيير المفاجئ في مكان أو روتين أو شخص معروف.

- كثرة الضوضاء أو الارتباك أو كثرة الأشخاص في الغرفة.

- دفعُ الآخرين له لفعل شيء ما - على سبيل المثال، للاستحمام أو لتذكر الأحداث أو الأشخاص.

- الشعور بالوحدة وعدم وجود اتصال كافٍ مع الآخرين.

- تفاعلات جانبية للأدوية».

ويضيف: «ابحث عن العلامات المبكرة للانفعال أو الهيجان أو العدوانية. إذا رأيت العلامات، فيمكنك التعامل مع السبب قبل أن تبدأ السلوكيات في إحداث المشكلة. حاول ألا تتجاهل المشكلة. عدم القيام بأي شيء يمكن أن يجعل الأمور أسوأ. وقد يكون الطبيب قادراً على المساعدة. يمكنه أو يمكنها إجراء فحص طبي للشخص لاكتشاف أي مشاكل قد تسبب الإثارة والعدوانية. اسأل الطبيب أيضاً عما إذا كان الدواء ضرورياً لمنع أو تقليل الانفعالات أو العدوان».

* استشارية في الباطنية

خطوات ونصائح للتعامل مع حالات الهيجان لدى مرضى الخَرَف

تقول رابطة ألزهايمر بالولايات المتحدة: «قد يشعر الشخص المصاب بمرض ألزهايمر بالقلق أو الهيجان، وقد يصبح مضطرباً، مما يتسبب له في توتر التحرك السريع، أو الانزعاج في أماكن معينة، أو عند التركيز على تفاصيل محددة».

ويفيد المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة NIA بما يلي: «بعض الطرق التي يمكنك من خلالها التعامل مع الهيجان أو العدوانية لدى مرضى ألزهايمر:

- طمأن الشخص. تحدث بهدوء. استمع إلى مخاوفه وإحباطاته. حاول أن تُظهر أنك تفهم ما إذا كان الشخص غاضباً أم خائفاً.

- اسمح للشخص بالاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السيطرة في حياته أو حياتها.

- حاول الحفاظ على الروتين، مثل الاستحمام وارتداء الملابس وتناول الطعام، في الوقت نفسه كل يوم.

- خصص أوقاتاً هادئة في اليوم، جنباً إلى جنب مع الأنشطة.

- احتفظ بالأشياء المحببة والصور الفوتوغرافية حول المنزل، لمساعدة الشخص على الشعور بمزيد من الأمان.

- جرب اللمس اللطيف أو الموسيقى الهادئة أو القراءة أو المشي.

- قلل الضوضاء أو الفوضى أو عدد الأشخاص في الغرفة.

- حاول تشتيت انتباه الشخص بوجبة خفيفة أو شيء مفضل أو نشاط مفضل.

- قلل من كمية الكافيين التي يشربها الشخص ويأكلها».

وأضافوا: «إليك (مُقدّم الرعاية لمريض ألزهايمر) بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها:

- تمهل وحاول الاسترخاء إذا كنت تعتقد أن مخاوفك قد تؤثر على الشخص المصاب بمرض ألزهايمر.

- حاول إيجاد طريقة لأخذ قسط من الراحة بعد تقديم الرعاية».

بين الخرف والهذيان والهيجان... فروقات إكلينيكية

قد يصعب فهم التفاعلات والانفعالات والسلوكيات التي تصدر عن المرضى المصابين بحالات الخَرَف، ما يجعل من الصعب على أفراد الأسرة في المنزل القيام بواجبات الرعاية اليومية لهؤلاء المرضى الكبار في السن. وتؤكد المصادر الطبية ضرورة فهم مقدمي الرعاية المنزلية للأعراض التي قد يُعانيها كبار السن المصابون بالخرف. وعلى ضرورة أن يكون التعامل معهم ذا مردود إيجابي لراحتهم وراحة مُقدمي الرعاية المنزلية لهم، وإلا ستتفاقم معاناة المريض، ويعتري الإجهاد مُقدّم الرعاية له.

ومن بين تلك الجوانب التي يجدر فهمها وملاحظتها، التفريق بين أعراض حالة الخرف Dementia نفسها، وحالات الهذيان Delirium أو الهيجان Agitation التي قد تعتريهم من آن لآخر.

وأعراض الخرف تظهر ببطء وتتطور على مدى شهور وسنوات، بينما تتطور أعراض الهذيان على مدى بضعة أيام أو بضع ساعات. وقد يعاني بعض المرضى كلاً من الخرف والهذيان، لأن الهذيان شائع عند الأشخاص المصابين بالخرف المتقدم، وهم أكثر عُرضة للإصابة بالهذيان. وتتشابه بعض أعراض الهذيان مع أعراض الخرف، وقد يكون من الصعب التمييز بين الاثنين.

ويفيد أطباء الأعصاب في «مايو كلينك» بأن الهذيان هو تغيُّر كبير في القدرات العقلية، وينتج عنه تشوش التفكير ونقص الوعي بالبيئة المحيطة، ويتسم هذا الاضطراب بسرعة الإصابة به، إذ يحدث خلال ساعات أو بضعة أيام.

ويضيفون: «ولكن يمكن أحياناً الخلط بين أعراض الهذيان والخَرَف. لذلك، قد يعتمد الطبيب على المعلومات التي يقدمها أحد أفراد العائلة أو مقدم الرعاية للمريض لتشخيص الاضطراب».

ولفهم الهذيان، تجدر ملاحظة أعراضه الرئيسية، والتي هي:

- قلة الوعي بالأشياء المحيطة، مما يؤدي إلى حدوث مشكلة في التركيز على موضوع معيّن أو تغيير الموضوعات، وكذلك تعلق الذهن بفكرة معينة بدلاً من الرد على الأسئلة. وأيضاً سهولة تشتُّت الانتباه والانعزال مع قلة النشاط أو انعدامه أو قلة الاستجابة للأشياء المحيطة.

- ضعف مهارات التفكير. وهو ما قد يظهر في صورة ضعف الذاكرة ونسيان الأحداث القريبة، أو عدم معرفة هويته أو مكانه، أو صعوبات في التحدث أو تذكُّر الكلمات أو الحديث غير المفهوم، أو صعوبة في فهم الكلام أو في القراءة أو الكتابة.

- التغيرات السلوكية والعاطفية. مثل القلق أو الخوف أو عدم الثقة في الآخرين، والاكتئاب، وسرعة الغضب، وفقدان الاهتمام والمشاعر، أو الشعور بالتوتر أو القلق أو الميل للعدوانية، أو الصراخ أو الأنين أو إصدار أصوات أخرى، أو بطء الحركة، أو الخمول.

والهيجان عرض شائع خلال نوبات الهذيان، وشائع أيضاً في حالات الخرف. ومع ذلك، يمكن للمرضى أن يصابوا بالهيجان دون أن يصابوا بهذيان، ويمكن أن يكون سبب الهيجان مشاكل أخرى، مثل الألم أو الإمساك أو ضيق التنفس أو احتباس البول.


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

صحتك السمنة تزيد مخاطر السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب (جامعة ولاية واشنطن)

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن دراسة حديثة أجراها الاتحاد العالمي للسمنة خلصت إلى أن ما يقرب من نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة أو زيادة الوزن.

صحتك 7 حقائق عن غازات البطن

7 حقائق عن غازات البطن

قد يستغرب البعض، لكنها حقيقة تُؤكدها المصادر الطبية، وهي أن عدد مرات إخراج الغازات يتراوح ما بين 12 إلى 25 مرة في اليوم لدى الإنسان «الطبيعي»

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال pediatric hypertension لا يُعد من الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة، فإنه في ازدياد مستمر.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف بانخفاض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)
صحتك «الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

يُعد الحزَّاز المسطح (Lichen Planus) من الأمراض الجلدية الالتهابية المزمنة ذات الطبيعة المناعية الذاتية، التي تؤثر في الجلد والأغشية المخاطية

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

7 حقائق عن غازات البطن

7 حقائق عن غازات البطن
TT

7 حقائق عن غازات البطن

7 حقائق عن غازات البطن

قد يستغرب البعض، لكنها حقيقة تُؤكدها المصادر الطبية، وهي أن عدد مرات إخراج الغازات يتراوح ما بين 12 إلى 25 مرة في اليوم لدى الإنسان «الطبيعي»، وخاصة الذي يتناول وجبات طعام «صحية» جداً. وقد يزداد ذلك العدد وفق نوعية مكونات الطعام اليومي، وخاصة مع تناوله مزيداً من «الأطعمة الصحية». كما يُمكن أن يختلف ذلك العدد من يوم لآخر لدى نفس الشخص وفق اختلاف نوعية مكونات طعامه اليومي.

أسرار غازات البطن

وتضيف تلك المصادر الطبية أن كمية الغازات التي يُمكن أن يتم إخراجها في 24 ساعة تتراوح ما بين 0.6 و1.8 لتر. ولا يُوجد فارق مهم بين كمية غازات البطن لدى الصغار، مقارنة بالكبار في السن، كما لا يُوجد فارق مهم في كمية الغازات ما بين الذكور والإناث.

وتضيف أن إخراج غازات البطن عملية فسيولوجية طبيعية، أسوة بتناول الطعام والتنفس، والهدف منها تخفيف ألم ضغط كمية الغازات تلك على توسع جدران القولون. ويُخرج الناس كمية أكبر من الغاز لاشعورياً عندما يكونون نائمين، دون أن يتأثر لديهم بذلك الاستغراق في النوم.

ولكن هذا فقط ليس ما قد يثير الانتباه حول غازات البطن وكيفية التعامل معها، بل إليك المعلومات الـ7 الأخرى التالية عنها:

1. مصدر الغازات

الغازات التي يسبب بقاؤها وإخراجها إزعاجاً لكثيرين، ليس مصدرها الرئيسي هو غازات المعدة التي يبتلعها المرء مع مضغ الطعام أو مضغ العلك أو مع اللعاب أو ضمن مكونات المشروبات الغازية، لأن الجسم يعمل على إخراجها عبر التجشؤ، وما يتسرب منها إلى الأمعاء الدقيقة يتم امتصاصه، ولا يصل من تلك الغازات إلى القولون إلا كميات ضئيلة.

ولكن المصدر الرئيسي لغازات البطن هو ما يتم تكوينه في القولون بفعل «البكتيريا الصديقة»، وذلك حينما تعمل تلك البكتيريا الصديقة على هضم وتفتيت «أنواع معينة» من السكريات التي تصل إلى القولون بهيئتها الطبيعية. وهو ما يتسبب بتكوين غازات نتيجة عملية الهضم تلك. وسبب وصول تلك السكريات بـ«هيئتها الطبيعية» إلى القولون هو أن الأمعاء الدقيقة لدى الشخص لم تتمكن بالأصل من هضمها، إما بسبب مشكلة مرضية في الأمعاء أو بسبب أن «أمعاء البشر» لا تمتلك بالأساس القدرة على هضم أنواع محددة من السكريات.

ولذا، ثمة «أنواع معينة» من الأطعمة التي تحتوي على تلك السكريات، يتسبب تناولها بالغازات لدى غالبية الناس. وثمة أطعمة أخرى تحتوي على «أنواع أخرى» من السكريات التي قد يتسبب تناولها بالغازات لدى بعض منهم فقط. وعليه، فإن الغازات ليس مصدرها تناول الدهون أو البروتينات، بل «أنواع معينة» من السكريات.

السكريات المعقدة والكبريت

2. سكريات الرافينوز (Raffinose)

هي أحد أهم أنواع السكريات المعقدة التي يصعب على أمعاء الإنسان هضمها، وينتج عن ذلك كثير من الغازات. وتوجد سكريات الرافينوز في الفول، والفاصوليا الجافة، واللوبيا الجافة، والحمص، والعدس، والحبوب الكاملة، والهليون، والبروكلي، والملفوف. ولذا، فإن نقع البقول، كالفول والفاصوليا الجافة والحمص، في الماء لمدة تتراوح ما بين 24 و 48 ساعة قبل الطهي، يُسهم في تحلل هذه السكريات التي لا تقوى أمعاء الإنسان على هضمها، والتي تُصدر منها بكتيريا القولون غازات البطن. وهي الوسيلة الفضلى لتقليل احتمالات تسبب تناول تلك البقول بالغازات.

وسكر الفركتوز هو أيضاً من أنواع السكريات التي قد تتسبب بمستويات عالية من تكوين الغازات. وهو السكر الذي يُوجد في التفاح والمشمش والتين والمانغو والكمثرى والبطيخ والبصل والخرشوف والقمح. وكذلك الحال مع سكريات الألياف القابلة للذوبان في الماء، وتوجد في الفاصوليا المجففة والفول والحمص والمكسرات وأنواع من الفاكهة المجففة والطازجة، وسكريات الألياف غير القابلة للذوبان في الماء، وتوجد في الخضراوات الجذرية ونخالة القمح وعدد آخر من المنتجات النباتية، وسكريات نشا الكربوهيدرات المعقدة، الموجودة في الذرة والقمح والبطاطا. وأيضاً سكر السوربيتول (Sorbitol) أحد أنواع السكريات الكحولية المُنتجة من سكر الغلوكوز، الذي يُستخدم كمحليات صناعية تُضاف إلى أنواع العلك والحلويات.

3. الرائحة الكريهة

نحو 99 بالمائة من الغازات التي يتم إخراجها مكونة من النيتروجين والأوكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، وهي في الغالب ليست لها رائحة أصلاً. ولكن نسبة ضئيلة جداً منها، لا تتجاوز 1 بالمائة، قد تتسبب بإعطاء الغازات التي يتم إخراجها رائحة كريهة (رائحة شبيهة برائحة البيض الفاسد) نتيجة احتوائها على عنصر الكبريت، مثل غاز هيدروجين الكبريت (Hydrogen Sulfide). والبروكلي من أنواع الخضار الغنية بالكبريت، وكذلك ملفوف الكرنب وهيليون الأسبرغس والثوم والبصل ومشروبات البيرة، التي تحتوي كمية عالية من الكبريت. وهناك أيضاً أطعمة غير نباتية غنية بالكبريت، مثل أنواع من الجبن الأصفر المطبوخ كجبن الشيدر، والبيض، وأنواع من اللحوم والأعضاء الحيوانية كالكبد، وأنواع من لحوم الأسماك. وهذه الأطعمة غير النباتية الغنية بالكبريت ليست هي السبب في الغازات، بل في تغير رائحة الغازات.

حالات مرضية

4. اضطرابات الأمعاء وحساسية الغلوتين

تفيد المصادر الطبية قائلة ما ملخصه: «ثمة حالات مرضية يحصل فيها اضطراب قدرات الأمعاء الدقيقة على هضم أنواع من السكريات البسيطة أو المعقدة، التي بالأصل لدى الأمعاء الدقيقة قدرة على هضمها، ولا يتسبب تناولها بالغازات لدى الإنسان الطبيعي. ولكن عند اضطراب قدرات الأمعاء الدقيقة على هضمها، تصل هذه السكريات البسيطة أو المعقدة إلى القولون، دون أن يتم هضمها وتفتيتها وامتصاصها في الأمعاء الدقيقة، وتتسبب بالغازات في القولون.

ومن أسباب ذلك حدوث أمراض في أجزاء الجهاز الهضمي المسؤولة عن هضم السكريات، ما يتطلب مراجعة الطبيب. وكذلك مشكلة زيادة تكوين الغازات مع تغير رائحتها لدى الأشخاص الذين لديهم حساسية من مادة الغلوتين (Gluten Intolerance)، وهي مادة بروتينية توجد في أنواع من الحبوب. ونتيجة للالتهابات في الأمعاء بفعل حساسية الغلوتين، لا يتم هضم السكريات بكفاءة في الأمعاء الدقيقة، ما يُؤدي إلى وصولها إلى القولون. وفي حالات الإمساك المزمن وأنواع من الالتهابات المزمنة في القولون يحصل تراكم نمو الميكروبات في القولون، وترتفع احتمالات تكوين الغازات، وقد يُرافق الأمر إخراج غازات كريهة الرائحة.

5. صعوبة هضم الحليب

نحو 70 بالمائة من البالغين على مستوى العالم لا توجد لديهم قدرة كاملة على إنتاج ما يكفي من الإنزيم الذي يعمل على هضم سكر الحليب ومشتقات الألبان بشكل تام، ولذا يمكن أن يسبب تناولهم منتجات الألبان انزعاجاً كبيراً نتيجة زيادة تكوين الغازات والانتفاخ والإسهال. وللتوضيح، فإن الأشخاص المُصابين بحالة «عدم تحمّل الحليب» (Lactose Intolerance) لديهم اضطراب في قدرة هضم سكريات اللكتوز بالحليب، ما يؤدي إلى هضم البكتيريا له في القولون، وبالتالي زيادة إنتاج الغازات. ولهؤلاء ربما يكون الحل هو تناول لبن الزبادي.

كما أن مرضى متلازمة القولون العصبي، التي يُعاني منها نحو 15 بالمائة من البالغين، كذلك هم أكثر عُرضة للمعاناة من الغازات عبر آليات عدة، إضافة إلى الأعراض الأخرى لتلك الحالة كالإسهال أو الإمساك أو تعاقب كليهما أو ألم البطن أو انتفاخ البطن. وقد يتسبب تناول بعض أنواع الأدوية إما بزيادة إخراج الغازات أو بتغير رائحة الغازات عبر آليات عدة، كتأثير تناول أنواع من المضادات الحيوية في تغير البيئة البكتيرية داخل القولون. كما قد تحدث زيادة الغازات وسوء رائحتها عند تناول أدوية خفض الوزن التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للدهون، وأدوية ضبط السكر التي تعيق امتصاص الأمعاء للسكريات، وأدوية مضادات الالتهاب اللاستيرودية المسكنة للألم (NSAID) كالبروفين، وبعض أنواع أدوية تليين الإخراج، وبعض أنواع أدوية خفض الكوليسترول.

المصدر الرئيسي لها هو ما يتم تكوينه في القولون بفعل «البكتيريا الصديقة»

آلام وعلاجات

6. آلام الغاز الزائد

يقول أطباء «كليفلاند كلينك»: «عندما يتراكم الغاز الزائد في أمعائك، يمكن أن يتراوح الشعور من عدم الراحة الخفيف إلى الألم الشديد. ولا يقتصر الإحساس دائماً على جزء واحد من بطنك، بل يمكن أن يُشعر الغاز المحبوس بألم أو ضغط في أماكن مختلفة في جميع أنحاء جذع جسمك. ويمكن أن يُشعر ألم الغاز بما يلي:

- الامتلاء أو الضغط (الانتفاخ) في بطنك. أحياناً، يبدو بطنك أكبر أو منتفخاً بشكل واضح.

- ألم حاد أو طعن أو وجع خفيف في بطنك.

- ألم أو ضغط أو انزعاج في جانبك الأيمن أو الأيسر (ألم الخاصرة).

- ألم أو ضغط أو انزعاج في الجزء العلوي أو السفلي من ظهرك.

- ألم أو ضغط أو انزعاج في صدرك.

- وقد تبدو هذه الأعراض مربكة، لأن الحالات الأكثر خطورة التي تؤثر على أعضائك يمكن أن تسبب ألماً وانزعاجاً مماثلين.

ويمكن أن يسبب الغاز المحبوس في جانبك الأيسر ألماً في الصدر يسهل الخلط بينه وبين نوبة قلبية. بينما يمكن أن يحاكي الغاز المحبوس في جانبك الأيمن الألم الناتج عن حصوات المرارة أو التهاب الزائدة الدودية. إذا كانت لديك أي أسئلة على الإطلاق حول ما إذا كان الألم الذي تعاني منه ناجماً عن الغازات أو حالة خطيرة، فاستشر مقدم الرعاية الصحية.

7. معالجة زيادة تكوين الغازات

تكون مبنية على السبب في «زيادة» تكوينها أو في «استمرار» الحرج منها. وأولى الخطوات هو محاولة المرء التعرف على الأطعمة التي تتسبب في حدوث مشكلات الغازات لديه، والتخفيف من تناولها. وإذا كانت أطعمة صحية من الضروري تناولها، مثل أنواع البقول أو الأطعمة الغنية بالألياف، فقد يُفيد تناولها بشكل متدرج أو الحرص على طهوها بطريقة تقلل من وجود السكريات فيها، كنقع البقول لمدة أطول قبل طهوها مثل الفول أو الفاصوليا الجافة. كما يجدر الحرص على الأكل ببطء، ومضغ الطعام جيداً، وتقليل مضغ العلكة، ومصّ الحلويات الصلبة، والشرب من خلال الماصّة، والامتناع عن التدخين. وكذلك، فإن ممارسة التمارين الرياضية له دور مهم، لأن النشاط البدني يساعد في تحريك الغازات خلال القناة الهضمية.

وحينما يكون السبب مرضياً، مثل حالات سوء الامتصاص في الأمعاء (Malabsorption) أو سوء الهضم (Maldigestion) فإن الأمر يتطلب معالجة، ربما تتضمن أخذ عينة من بطانة الأمعاء الدقيقة. أما إذا كان ثمة اضطراب في عملية إفراغ المعدة، أو سرعة مرور الطعام من خلال الأمعاء الدقيقة، أو ارتفاع تكاثر نمو البكتيريا في الأمعاء لأسباب عدة، فثمة معالجات، إما دوائية أو جراحية، ملائمة وفق الحاجة الطبية. وإذا كان السبب نقصاً في إنزيمات معينة، كإنزيم هضم الحليب، فإن من المفيد تناول مكملات إنزيم اللاكتوز الغذائية، وفق إرشادات الطبيب.

* استشارية في الباطنية