د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

ظاهرة «التصفيق» المأجور!

استمع إلى المقالة

برزت ظاهرة غريبة في الأوبرا الفرنسية عام 1820، وهي «التصفيق المأجور»! حيث أسس فرنسيان شركة كان منتجها الوحيد «التصفيق»، بهدف ضمان استجابة جماهيرية إيجابية. المفارقة أن «فرقة التصفيق» كان لها قائد يحركها، وأعضاء وسيناريوهات مرسومة تشعل حماسة القاعة. ثم انتشرت فكرة «بيزنس التصفيق» في العديد من المسارح والأوبرات حول العالم.

أذكر أنني كنت أعاتب صديقاً من كبار نجوم الكوميديا في الكويت عندما لاحظت أنهم يدعون في يوم التصوير أناساً يضحكون بصورة هستيرية ومصطنعة «تخرب» عفوية الضحكات الجماهيرية. لم نألف ذلك في مسرح عبد الحسين عبد الرضا. لكنه قال إن ذلك تقليد يحرك الجمهور (انتهى كلامه). اطلعت على دراسات عدة تؤكد أن الناس «يتأثرون» بسلوكيات من حولهم. فقد تقنع شخصاً من دون أن تكلمه، فهناك من يستجيب حينما يراك «تفعل أو تقول» أمراً تتعمد أن تدفع الآخرين لتقليده. مثل التصفيق، والضحك، والوقوف لتحية شخص، والالتفات جميعاً نحو جهة واحدة، وتنظيف المكان قبل مغادرة المقهى أو السينما. وهذه السلوكيات تبين بالدراسات أنها مؤثرة.

يسمى ذلك علمياً «التأثير الاجتماعي»social proof. وقد حدث تحول جذري في السوق الإعلانية من المؤثرين الكبار إلى المدونين الصغار باعتبار أن مدحهم العفوي للمنتجات والخدمات صار أكثر تأثيراً ومبيعاً من «المشاهير». ولذلك فإن المجتمع أو المستهلك الواعي، لا ينقاد لتلك الحيل الإعلانية.

مشكلة التأثير الاجتماعي أنه في بعض الأحيان مثل عقلية القطيع يقودنا إلى كوارث. مثل ذلك التسعيني الذي سقط في المقهى الإنجليزي على قفاه ولم يمد له أحد يد العون حتى هرع له النادل ثم تبين أنه إيطالي وقد طلب له الإسعاف.

«التأثير الاجتماعي» مثل موجة «التصفيق المأجور» امتدت ارتداداتها لمجالات عديدة. فظهرت أدوار لمشاركين يجيدون البكاء والعويل وآخرين يحترفون إشعال حماسة الجمهور أو ضبط الفوضى والإزعاج في أثناء «اندساسهم» بين الجماهير.

جميل أن يصفق المرء لما يستحق الاستحسان لكن المشين أن يصفق لما يتعارض مع صميم القيم النبيلة. فكم من «فرقة تصفيق» صنعت «أبطالاً من ورق»، وطغاة، وآخرين لا يفقهون شيئاً في أبجديات العمل.