طلال الحمود
إعلامي وكاتب سعودي، رئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة العربية.
TT

جوتا العربي

استمع إلى المقالة

هزّت مشاهد بكاء الثنائي البرتغالي جواو كانسيلو وروبن نيفيز؛ حزناً على رحيل مواطنهما ديوغو جوتا، مشاعرَ الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم، وتحول مشهد الوقوف دقيقة صمت قبل مباراة فريقهما الهلال السعودي ضد فلومينينسي البرازيلي، إلى الأكثر تداولاً في مواقع الصحف وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي عرفت اهتماماً لافتاً بخبر وفاة النجم الشاب، وردة الفعل التي تلتها من رفاقه في النادي والمنتخب.

ولم يكن لرحيل جوتا أن يحظى بهذا الاهتمام العالمي، لولا ردة فعل ليفربول وتحرك مسؤوليه نحو إعطاء الحدث ما يستحقه؛ تكريماً للاعب الراحل، ومراعاة لمشاعر زملائه اللاعبين الذين أصيبوا بصدمة، قادت المصري محمد صلاح والهولندي فان دايك إلى التصريح بأنهما لا يتخيلان العودة إلى تدريبات الموسم الجديد في غياب جوتا عن النادي إلى الأبد. ومع أن عالم كرة القدم شهد سابقاً وفاة أكثر من لاعب داخل المستطيل الأخضر أمام آلاف المتفرجين، فإن رحيل هؤلاء لم يستأثر باهتمام يوازي حادثة تحطم سيارة النجم البرتغالي ووفاته مع شقيقه في إسبانيا.

وباتت مبادرات ليفربول المتوالية نحو تخليد ذكرى جوتا والوقوف إلى جانب عائلته، تحظى بمتابعة خاصة منحت هذا النادي شعبية إضافية وتعاطفاً من أنصار اللعبة في العالم، وأدت إلى تلميع سمعته التي لطختها وسائل الإعلام الإنجليزية والأوروبية بعد حادثة استاد «هيسيل» في نهائي كأس أوروبا ضد يوفنتوس الإيطالي عام 1985، وكارثة ملعب «هيلزبره» في نصف نهائي كأس إنجلترا ضد نوتنغهام فورست، وما تلا هذه المذبحة من هجوم إعلامي وتحيز من الشرطة المحلية في تقريرها الجنائي، قبل أن يعاد فتح التحقيق وتظهر براءة أنصار ليفربول بعد 23 عاماً من إبعاد النادي عن البطولات القارية ونبذه مع جماهيره عالمياً.

ساهمت بادرة مسؤولي ليفربول بمنح عائلة جوتا ما تبقى من قيمة عقده، في التفاف اللاعبين حول ناديهم بدرجة جعلت بعضهم يصفه بـ«بيت العائلة»، ولم تكن هذه آخرة المبادرات؛ إذ تلتها قرارات، منها تكليف نحات بصناعة تمثال للاعب، وحجب القميص رقم «20» الذي كان يرتديه النجم البرتغالي، فضلاً عن اعتماد شعار يحمل عبارة «20 إلى الأبد» سيوضع على قمصان اللاعبين طيلة الموسم المقبل؛ تكريماً للراحل ولمجهوداته خلال سنوات نشاطه في الفريق.

ما قدمه ليفربول من أجل مواساة عائلة جوتا وإحياء ذكراه، من شأنه أن يلهم بقية الأندية في العالم لتغيير نظرتها نحو اللاعب «الإنسان» بعيداً عن حصر العلاقة في حسابات الربح والخسارة، من خلال منحه ما يستحق من اهتمام في حياته وتقدير في مماته. وربما كان كثير من الاتحادات والأندية العربية بحاجة إلى التمعن في تجربة النادي الإنجليزي ومكاسبه الكثيرة من ارتباط اسمه طيلة الأيام الماضية بتصدير مبادرات تحمل معانيَ سامية غابت في زمن تجارة كرة القدم، خصوصاً أن التاريخ يروي ممارسات مخجلة لأندية خذلت لاعبيها حتى بعد موتهم، وليس أكبر خذلاناً من تجاهل نادٍ خبر رحيل أحد لاعبيه القدامى واستكثار تقديم التعزية لعائلته والتذكير بمسيرته وإنجازاته... وربما أيضاً أن تغيير نظرة الكيانات الرياضية في البلدان العربية إلى اللاعب يتطلب الاستعانة بمختصين في علم الاجتماع ومحترفين في مجال العلاقات العامة، من أجل مراقبة وصيانة الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية، ولفت انتباه المسؤول ومعاونيه في كل مرة إلى أن هناك شيئاً سقط منهم!



المزيد من مقالات الرأي