مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

هل يفهم الغربي العربي على الشرقي العربي... مثلاً؟

استمع إلى المقالة

كيف نميّز بين أمّة وأخرى؟ كيف نحدّد ثقافة من ثانية؟ كيف نتعرّف على نسَقٍ دون آخر؟

أو بصيغة مختلفة، ما «الجينات» الثقافية التي تميّز مجموعة إنسانية عن أخريات؟

هل معيار التمييز يكون بالسمات الفسيولوجية، شكل الجمجمة ولون البشرة وحتى تكوين كعب الساق مثلاً؟ كما كان الحال عليه من رواد علم الأنثروبولوجيا والشعوب في نهايات القرن التاسع عشر وعصور الاستعمار الأوربي للعالم، خاصة الأفريقي؟

أو أن السِمات الثقافية والتجربة التاريخية والذاكرة المشتركة، وربما بعض ظروف الموقع الجغرافي وطرق التجارة والمواني، مثلاً، هي التي تنحت الوجهة الثقافية لهذا الشعب أو ذاك، هذا الفضاء الاجتماعي الثقافي أو ذاك؟

لندلف إلى الأمثلة التطبيقية، هناك «مجموعات» ثقافية تشترك في أمزجتها وأذواقها وذاكرتها ربما، وطبعاً حدودها، في العالم العربي، ويرى بعض المنظّرين، كأنطون سعادة، مؤسس ومنظّر القومية السورية الكبرى، أن هناك مجموعات ثقافية اجتماعية في العالم العربي، فبلاد الهلال الخصيب (العراق وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان، وبعض تركيا وبعض الكويت) ذات هوية ثقافية ومزاج واحد، والمجموعة الثانية هي مجموعة مصر والسودان، والثالثة شمال أفريقيا، ومجموعة الجزيرة العربية.

بعيداً عن هذه التقسيمة، لا ريب في أن هناك سمات مشتركة في ثقافة و«ذوق» شعب وادي النيل، وكذلك شعوب شمال أفريقيا أو المغرب العربي، وكذا الجزيرة العربية والهلال الخصيب.

من هذه المداخل النظرية والتاريخية، أضع مواقف وتعليقات بعض مثقفي وشبه مثقفي وناشطي الشمال الأفريقي ومصر، حول الموقف من الخطر الإيراني على مجموعة الهلال الخصيب والجزيرة العربية، فالتجربة التاريخية لمجموعتي شمال أفريقيا ووادي النيل، لا تحتفظ بحسّاسات تستشعر الخطر الإيراني، لكن نرى هذه الحسّاسات بكامل حيويتها مثلاً تجاه الخطر الاستعماري الفرنسي والغربي.

لذلك؛ حين يحاول سوري، ضد إيران، أن يوصل موقفه تجاه «حزب الله» اللبناني - الإيراني، الذي خاض في الدم السوري، وساهم في الجريمة الطائفية الديموغرافية السورية، لأبناء الشمال الأفريقي أو وادي النيل، يجد صعوبة وعنَتاً في وصول صوته، ليس بسبب عجزه اللغوي، لكن لأن المخزون التاريخي والذاكرة الجمعية الحاكمة، لدى صاحب شمال أفريقيا ووادي النيل، في غالبهما، ليس في برمجيتهما استشعار هذا الخطر، حتى لو قال له السوري مثلاً إن عدد القتلى السوريين أكثر من 500 ألف، ساهم «حزب الله» وبقية ميليشيات إيران في قتلهم، وتهجير الملايين، تحت شعار فلسطين والحسين.

نعم ساهمت جماعات كـ«داعش» و«القاعدة» وبقية الميليشيات السنّية في ذلك، لكن حديثنا عن الدور الإيراني، الذي هو جزء من دور تاريخي قديم متجدّد، وعنه نتحدّث هنا، وعن الذاكرة الجماعية.