مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حرامي كُتب... محترم!

استمع إلى المقالة

تحقيقٌ جميلٌ كتبته الناشرة والمترجمة والكاتبة رنا الصيفي في جريدة «الشرق الأوسط»، عن كارثة القرصنة المنهجية للكتب، والمصيبة التي حلّت بالكتب والكاتبين ودور النشر من وراء ذلك.

قالت السيدة رنا: «القرصنة تشلّ صناعة الكتاب؛ حيث تقدَّر الخسائر السنوية الإجمالية في قطاع النشر على صعيد الوطن العربي بملايين الدولارات. وهذا الشلل يُجبر الناشر على خفض إنتاجه، وبالتالي عدم تزويد المكتبات بإصدارات تتناسب والطلب عليها. ويُفضي هذا التقلّص في المنشورات إلى انحسارٍ فكري ثقافي له تبعات جلل على الثقافة العربية».

أقف عند الجزء الأخير من كلام رنا، وهو أن هذه القرصنة الوقحة، أحياناً على أبواب معارض الكتاب، وأحياناً على مواقع علنية في الإنترنت، تؤدي مع الوقت لانحسار المنتج الفكري والإبداعي.

صحيحٌ كلامها، وأضرب مثلاً يسيراً، لو أن الروايات والكتب التاريخية والعلمية المشوّقة، في الغرب، أو حتى في الشرق (اليابان) لم تكن مصونة بقوانين رادعة وصناعة راسخة للنشر والكتاب، هل كنّا سنشهد روائع مثل: «سلسلة هاري بوتر»، أو «سيد الخواتم»، أو «غاتسبي العظيم»، أو «ذهب مع الريح»، أو «العرّاب»... إلخ؟

ضربتُ مثلاً بهذه «الكتب» لأنها مشهورة بسبب تحويلها لأفلامٍ عالمية أكسبت صنّاعها، ومنهم صاحب أو صاحبة الكتاب، الشهرة والمال الغزير.

عندنا... كيف الحال؟ نرجع لكلام السيدة رنا: «جعلت منصة (نيل وفرات) لبيع الكتب الورقية والإلكترونية عبر الإنترنت التصدّي للقرصنة شغلها الشاغل، ورصدت حتى اليوم آلاف المواقع التي تبيع كتباً مقرصنة بلغ عددها نحو 4500 موقع. نجحت المنصة في التبليغ عن 38704 منتجات مُقرصنة تمّت إزالتها. لكن كلما رُصدَت تحرّكات القراصنة اللامشروعة وتمّ التبليغ عنها، استشرى القراصنة وتفشّوا أكثر وأنشأوا بدل الموقع مواقع».

النتيجة مع «تطنيش» القرصنة وعدم اهتمام الجهات المعنية بها الاهتمام «الكافي» هي رداءة المنتج، وعزوف المبدعين «الأصليين» عن النشر، أو النشر بطريقة محدودة فقط للتوثيق والحضور.

الآن هناك، على صعيد الروايات والقصص، مشروع جديد، أطلقته هيئة الترفيه السعودية، من أفكار رئيسها المستشار تركي آل الشيخ، بعنوان «القلم الذهبي» ينصبُّ هذا المشروع على هذا الوادي، وادي المبدعين والإبداع، والربط بين نصوصهم، وعالم الإنتاج، لهم النجاحُ والفلاحُ إن شاء الله.

غير أن هناك صوراً أخرى للكتابة، مثل الأبحاث التاريخية، والأنثروبولوجية، والدارسات الاجتماعية وما شابه مفيدة كل الفائدة، لصنع استراتيجيات تربوية للدول، وهندسة المجتمع من جديد على معادلات فكرية مثمرة على التوقيت القريب والبعيد.

هذه النوع يحتاج أيضاً إلى حماية وتشجيع، كما كان الحال من قبل مع مشاريع مثل: المعجم الجغرافي السعودي الكبير الذي أشرف عليه العلَّامة حمد الجاسر.

بكلمة، نحتاج رعاية الدولة، بصورتين:

1- رعاية وتمويل مباشر لبعض المشاريع النوعية.

2- سنّ القوانين، وتطبيقها بصرامة، ناحية حفظ حقوق المبدع.