سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

مائة عام على «ملوك العرب»: مسك الختام (4/4)

استمع إلى المقالة

لا يُخفي أمين الريحاني، قبل جولته وبعدها، أن الشخصية الأكثر أهمية التي طلب لقائها كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. وعندما صافحه للمرة الأولى، أدرك أنه أمام الرجل الذي سوف يوحّد الجزيرة، ويضع الخطوة الأولى لوحدة العرب. يدرك الريحاني أنه يكتب في انبهارٍ غير مألوف عن الرجل العملاق، فيسرع إلى التوضيح بأنه صادقٌ في كل كلمة يكتبها، وليس في الأمر من تملّق أو مبالغة. ولذلك سوف يرتبط كتاب «ملوك العرب» فيما بعد وإلى اليوم، بالصفحات العميقة التي وضعها «الأمين» في تلك الجولة المخلّدة.

نترك هنا الوصف الرائع كما ورد في «ملوك العرب» لنختم به هذه السلسلة التاريخية:

السلطان عبد العزيز طويل القامة، مفتول الساعد، شديد العصب، متناسق الأعضاء، أسمر اللون، أسود الشعر، ذو لحية خفيفة مستديرة، وشارب. له من السنين سبع وأربعون، وله في التاريخ –تاريخ نجد الحديث– مجد إذا قِيس بالأعوام، تجاوز السبع والأربعين المائة. يلبس في الصيف أثواباً من الكتان، بيضاء، وفي الشتاء «قنابيز» من الجوخ تحت عباءة بُنية. وهو ينتعل، ويتطيب، ويحمل عصاً من الشوحط (بخور)، طويلة يستعين بها على الإفصاح عن آرائه –على تشكيل كلماته، إذا صحت الاستعارة، وتمكينها. إنّ له في الحديث غيرها من الأعوان، له أنامل طويلة لَدِنة يشير بها في مواقف البلاغة. وله عينان عسليتان تنيران أمام العطف واللطف ساعة الرضا، وتضرمان في كلامه ساعة الغيظ نار الغضا. وله فمٌ هو كورق الورد في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية كالحديد. يتقلص فيشتدّ، فهو إذَّاك، كالنصل حدّاً ومضاءً.

ها قد قابلت أمراء العرب كلهم، فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل. لست مجازفاً، أو مبالغاً فيما أقول. فهو حقّاً كبير: كبير في مصافحته، وفي ابتسامته، وفي كلامه، وفي نظراته، وفي ضربه الأرض بعصاه. يُفصح في أول جلسة عن فكره ولا يخشى أحداً من الناس. بل يفشي سره، وما أشرف السر، سر رجل يعرف نفسه، ويثق، بعد الله، بنفسه. «حنّا العرب» إن الرجل فيه أكبر من السلطان. وقد ساد قومه ولا شك بالمكارم، لا بالألقاب... جئت ابن سعود والقلب فارغ من البغض، ومن الحب، كما قلت له. فلا رأي الإنجليز، ولا رأي الحجاز، ولا الثناء، ولا المطاعن أثّرت فيّ. وها قد ملأ القلب، ملأه حباً في أول جلسة جلسناها على أن الحب قد لا يكون مقروناً دائماً بالإعجاب. سنرى. قد عاهدته على أن أكلّمه بصراحة وحرية. وسأكون فيما أكتب كذلك حراً صريحاً... ولكنني أُحسن شيئاً من الفراسة، وصرت أَركن إلى ما تشعر به النفس في المقابلة الأولى. فضلاً عمّا عندي الآن من أخبار الملوك للمقابلة والتفضيل... إني سعيد لأني زرت ابن سعود. بعد أن زرتهم كلهم. هو حقاً «مسك الختام».