زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الجوف في العصر الإسلامي والسعودي

استمع إلى المقالة

كانت أدوماتو أو دومة الجندل قبيل الإسلام تحت حكم الأكيدر بن عبد الملك السكوني، وكانت مملكته تعيش أوضاعاً حرجة؛ كونها تتوسط الصراع السياسي بين الفرس، وأتباعهم المناذرة، وبين الروم، وأتباعهم الغساسنة.

وكانت دومة الجندل في العصر الجاهلي من أهم الأسواق التي يفِد إليها الناس سنوياً في مواقيت محددة للتجارة. وكان لشقيق ملك دومة الجندل بِشر بن عبد الملك السكوني الفضل في نقل الخط العربي الشمالي من شمال الجزيرة العربية إلى مكة المكرمة، حيث وفد إليها، وعلّم بعض سادتها الخط العربي الشمالي حتى أتقنوه، وكانوا يكتبون بالخط العربي الجنوبي المعروف بـ«خط المسند».

وفي زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ملك دومة الجندل الأكيدر بن عبد الملك معادياً للإسلام، وكان يسيء معاملة التجّار المسلمين الذين يفدون إلى سوق دومة الجندل أو يمرّون بها إذا اتجهوا للشام أو العراق، ولدرء هذه الأخطار؛ قاد النبي جيشاً إلى دومة الجندل، وكان أول جيش إسلامي يتوجه نحو شمال الجزيرة العربية في العام الخامس الهجري، وعندما وصل إليها النبي هرب منها الأكيدر، وعاد المسلمون بالانتصار.

وفي العام السادس الهجري بعث النبي سريّة إلى دومة الجندل بقيادة عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) وعندما وصل دعا أهلها إلى الإسلام، فأسلم بعضهم، وأبى أكثرهم، فصالحهم على إعطاء الجزية، وفي العام التاسع الهجري توجّه الرسول إلى تبوك لمواجهة الروم، ومن تبوك أرسل جيشاً إلى دومة الجندل بقيادة خالد بن الوليد (رضي الله عنه) فتمكّن من هدم الأصنام، والقبض على ملكها، وإحضاره إلى المدينة المنورة فصالحه الرسول على دفع الجزية، ثم وفد بعدها الكثير من أهالي دومة الجندل على الرسول لإشهار إسلامهم.

وفي زمن خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) تحصّن في دومة الجندل من ارتدّوا عن الإسلام، فأرسل إليهم سرية بقيادة عياض بن غُنم (رضي الله عنه) فلم ينتصر عليهم، فبعث أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد ليقود الجيش من العراق إلى دومة الجندل، فعادت إلى الإسلام.

تمتعت منطقة الجوف خلال العصور الإسلامية بأهمية حضارية وسياسية كبيرة خلال الفترتين الأموية والعباسية.

وفي عام 1208هـ في عهد ثاني حكام الدولة السعودية الأولى الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود تمكّن من ضمّ الجوف ومناطق وادي السرحان تحت لواء آل سعود في الدرعية، ورُبطت إدارياً بمنطقة حائل، وبعد نهاية الدولة السعودية الأولى حافظ أهالي منطقة الجوف على ولائهم للدولة السعودية.

وبعد نهاية الدولة السعودية الثانية عام 1309هـ عانت منطقة الجوف من النزاعات على حكمها من قبل أطراف عِدة، وفي عام 1341هـ تواصل أهالي منطقة الجوف مع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ليطلبوا منه الانضواء تحت حكمه بعد أن نجح في مدّ نفوذ الدولة السعودية الثالثة إلى حائل، لتصبح منطقة الجوف جزءاً من المملكة العربية السعودية.