إميل أمين
كاتب مصري
TT

واشنطن ـ الرياض... زمن التعاون الاستراتيجي

ما الذي تعكسه دلالات زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية، في أول جولة خارجية منذ وصوله للبيت الأبيض؟
حكماً إنها تعني شيئاً واحداً مؤكداً، وهو استفتاح زمن جديد من التعاون الاستراتيجي الخلاق بين واشنطن والرياض.
يلتقي الرئيس ترمب خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز لوضع أسس قوية لانطلاقة جديدة في علاقات المملكة والولايات المتحدة، بها من مدّ الجسور ما هو أنفع وأرفع من إقامة الجدران.
تأتي الزيارة لتشير بداية إلى الدور المركزي والاستراتيجي للمملكة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، الذي تتزايد أهميته، جراء أسباب كثيرة، بعضها يتصل بالصراعات الإقليمية، والآخر بالأطماع القطبية الدولية، وبينهما تبقى المسألة الاقتصادية قائمة، أمس، واليوم، وغداً.
أما عن إشكاليات الإقليم، فإنه منذ حملته الانتخابية لم يتوانَ الرئيس ترمب، وبقية إدارته، عن وصف إيران بالدولة الراعية للإرهاب في المنطقة، والساعية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في جنبات الخليج العربي، وهو توجه مشترك بين الرياض وواشنطن.
الزيارة ضمن أهدافها الرئيسية، ولا شك، تعزيز التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وبقية دول مجلس التعاون أولاً، والعالم العربي الشرق أوسطي ثانياً، في ظل مستقبل غائم لتقاسم الدول العظمي النفوذ حول العالم.
عطفاً على ذلك، تبقى الرياض رأس الحربة في دول مجموعة «أوبك»، وبحسب قراءة أخيرة للاستخبارات المركزية الأميركية، فإن الأشهر الثلاثة المقبلة ستلقي على عاتق المملكة العربية السعودية، وبالشراكة مع حلفائها من دول الخليج العربي، مسؤولية الحفاظ على مبادئ منظمة «أوبك»، والتخفيض في إنتاج النفط لمدة ستة أشهر، ومن ثم الحفاظ على استقرار أسعار النفط، الأمر الذي يمثل أهمية قصوى للاقتصاد الأميركي، الذي لم يعد يتحمل أي اضطرابات أو إخفاقات جديدة، لا سيما أن الدين العام الخارجي للولايات المتحدة بلغ أخيراً نحو عشرين تريليون دولار، وهو رقم كارثي في جميع الأحوال.
تحفظ العقول الأميركية تاريخياً الدور الخلاَّق للمملكة في صراعها مع الكتلة الشيوعية، والحفاظ على تدفق النفط لأوروبا وأميركا طوال أكثر من أربعة عقود، وعليه، فالأمر ليس طرحاً اقتصادياً مجرداً، بل إن النفط السعودي وأهميته نشآ كجزئية على أسس سياسية أكثر من أنها قدر للمملكة أن تحظى به.
في هذا الإطار يمكن للمرء أن يتفهم الأبعاد الحقيقية لخطة التطوير الاستراتيجية لمداخيل المملكة ضمن «رؤية 2030»، ومنها تنويع مصادر الدخل عبر تعدد أدوات وآليات الاستثمار، وعليه، فإن الولايات المتحدة وفي كل الأحوال تبقى سوقاً واسعة شاسعة تحتمل المزيد والمزيد من المشروعات العملاقة، منها مشروعات البنية التحتية الأميركية، التي وصفها وزير الطاقة السعودية خالد الفالح في حواره مع شبكة «سي إن بي سي» الإخبارية الأميركية، بأنها استثمار جذاب.
ومن الواضح للعيان أن وحدة الإرادات بين الجانبين السعودي والأميركي، قد مهدت الطريق للإدارات في البلدين لاستنهاض التعاون الثنائي القائم على الندية والاحترام المتبادلين، وتقدير المنافع الإيجابية للشعبين، ومن ثمار هذه العلاقة الجديدة، البيان الذي أصدره البيت الأبيض في مارس (آذار) الماضي، في أعقاب اجتماع الرئيس ترمب، مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجاء فيه أن الرئيس يدعم تطوير برنامج أميركي - سعودي تقوم به مجموعات عمل مشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية، للاستثمار في الطاقة والصناعة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، فيما أشار البيت الأبيض إلى أن هذا البرنامج من المحتمل أن يصل إلى 200 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في السنوات الأربع المقبلة.
زيارة الرئيس ترمب للمملكة تعني مباشرة النية الأميركية في الخوض العميق في مآلات الشرق الأوسط دبلوماسياً، واقتصادياً، عسكرياً وإنسانياً.
نيات الرئيس ترمب واضحة، من القمم التي ستشهدها الرياض. إنه يريد عقد اجتماعات تاريخية مع قادة العالمين العربي والإسلامي، تكون حجر زاوية لتعاون خلاق لمواجهة الإرهاب، وتالياً، إقامة حلف من أصحاب النيات الطيبة والطوايا الصالحة، لمكافحة التطرف والعنف، وتحقيق مستقبل أكثر عدلاً وأملاً للشباب المسلمين في بلادهم.
يتحدث مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت رايموند ماكماستر عن بُعد مهم من أبعاد زيارة ترمب للشرق الأوسط، وهو توحيد الشعوب من كل الأديان حول السلام والتقدم، والرخاء والتعاون، ومن هنا يدرك المرء التقدير المضاف للمملكة بوصفها قلب العالم الإسلامي، حيث بداية الرحلة المثيرة للتفكير، كما أنه سيتجه إلى حاضرة الفاتيكان، وهو هنا يكاد يكرر ما أشار إليه اللاهوتي الكاثوليكي السويسري هانز كنغ ذات مرة من أنه لا سلام بين الأمم دون سلام بين أتباع الأديان.
ما الذي تتبقى الإشارة إليه؟
قطعاً إن استراتيجيات «القرن الأميركي» للمحافظين الجدد في نهاية التسعينات، مروراً بخطة «الاستدارة نحو آسيا» في 2010، وصولاً إلى «التوازن خارج المجال... استراتيجية التفوق الأميركي الكوني» في 2017، تبقى هدف أي إدارة وكل إدارة أميركية قائمة أو مقبلة لعقود طوال، وجميعها تؤكد الثقل الاستراتيجي والمهم للمملكة في لعبة التوازنات الدولية، بين موسكو وبكين من جهة، وواشنطن وربما بروكسل من جهة أخرى.
يبقى الخليج العربي في كل الأحوال موقعاً استراتيجياً لن يتغير بين آسيا، القوة الإمبراطورية القادمة، وقلب العالم القديم الأوروبي والأميركي القائم، وعليه، تزداد أهمية المنطقة وشعوبها في الحال والاستقبال، وهذا ما يتوجب على «الراسخين في العلم» فهمه بين النخبة، ونشره في أوساط العوام.