د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إحياء الجيش الليبي

في خطوة رمزية في توكرة البلدة الليبية التاريخية التي شهدت احتلال الإغريق والرومان والبطالمة والطليان، والتي تبعد عن مدينة بنغازي نحو 75 كم إلى الشرق، كان تخريج الدفعة 50 من الكلية العسكرية في رمزية لعودة إحياء الجيش الليبي، وليؤكد استمرارية سيطرة الجيش الوطني وديمومتها، والذي تشكل في التاسع من شهر أغسطس (آب) عام 1940.
الجيش الليبي تم تأسيسه من قبل مجاهدين ليبيين بداية عام 1939 للاستمرار في محاربة الاحتلال الإيطالي بعد استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار، وبعد الاستقلال تمت إعادة هيكلته في بداية 1955، وكان أفراده لا يزيدون عن ألفي جندي وضابط، ثم افتتحت الكلية العسكرية الملكية ببنغازي سنة 1957، وفي أغسطس 1963 تشكل السلاح الجوي. كان الالتحاق بالجيش تطوعياً، وفي عام 1967 بدأت ليبيا تأخذ بنظام التجنيد الإلزامي.
الجيش الليبي تعرض لمراحل انتكاس كثيرة آخرها تدمير معسكراته وبنيته التحتية جراء ضربات حلف الناتو في عام2011، لمجابهة «كتائب القذافي» ذلك التوصيف الخاطئ للجيش الليبي، واختزاله في مجموعة من الكتائب الأمنية التي كان القذافي يحتمي بها لتثبيت حكمه.
الجيش الليبي العائد للتشكيل وترتيب الصفوف سيكون جيشا وطنيا، لا مكان فيه للمحاصصة المناطقية ولا القبلية، ولن يكون جيشا فئويا أو إثنيا عرقيا، بل سيكون جيشا ليبيا وطنيا ولاؤه لله ثم الوطن، كما قال قائد الجيش المشير خليفة حفتر في خطابه في استعراض عسكري لوحدات رمزية من جميع المناطق الليبية من طبرق في أقصى الشرق، إلى الزنتان في أقصى الجبل الغربي إلى الجنوب شرقه وغربه، حيث لبس فتيان بين الثامنة عشرة والعشرين من العمر الزي العسكري بمختلف أسلحته البرية والجوية والقوات الخاصة والدفاع الجوي وسلاح المخابرة، في الكلية العسكرية، التي أعيد افتتاحها قبل 3 سنوات من انطلاق عملية الكرامة، والتي دحرت الإرهاب عسكريا، واهتمت ببناء مؤسسة عسكرية توجت بتخريج الدفعة 50 من ضباط الكلية العسكرية، بعد تعطل دام سبع سنوات تحت سيطرة ميليشيات مؤدلجة شتتت ولاءها بين البغدادي والظواهري، بل وحتى مختار بن مختار كان له فريق يتبعه، تحولت خلالها ليبيا إلى ساحة حرب بالوكالة بين أمراء الحرب وسكان كهوف تورا بورا، لتصفية حساباتهم على الأراضي الليبية ونهب خيراتها، فجلبوا المرتزقة من شتى بقاع الأرض، وأنشئت معسكرات تدريب للإرهابيين بعد سيطرتهم على ما تبقى من معسكرات الجيش الليبي ومخزون سلاحه، الذي بقي سليما لم تطله ضربات حلف الناتو إذ ترك مخازن السلاح التقليدي مفتوحة عرضة للنهب، فكان هناك أكثر من 20 مليون قطعة سلاح تقليدي تركت دون أن تستهدفها ضربات حلف الناتو، التي فاقت 11 ألف ضربة جوية طالت البنية التحتية والطائرات والسفن الحربية والرادارات ومنظومة الاتصال والسيطرة، بينما ترك مخزون السلاح التقليدي مبعثرا ينتشر بين الميليشيات المختلفة، إذ أن إدارة أوباما كلينتون كانت تسعى إلى توطين مشروع الفوضى «الخلاقة» التي بشرت بها كوندوليزا رايس في العام 2006 .
الجيش الليبي اليوم ينهض من بين الركام رغم حصار أممي على تسليحه، وفي ظل شحن متدفق للسلاح من دول إقليمية للجماعات الإرهابية التي يحاربها الجيش، واستطاع بعزيمة شباب وطني وقادة وطنيين ومشايخ قبليين، إعادة إحياء الجيش، بعد هذا السيل من الميليشيات الموازية التي عرفت بالدروع وولاؤها لتنظيم الإخوان الذي يسيطر الآن على السلطتين التنفيذية والتشريعية في طرابلس، حيث تمت مصادرة الدولة الوطنية المدنية لصالح دولة المرشد.