غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري
TT

توطين الشيعة وتفتيت السنة

«قربت غريب. وبعدت قريب. ما تقول يا وابور رايح على فين؟!» إلى أين ستؤدي استراتيجية التشييع الإيرانية بالقطار السوري؟ تنظير وكيل الفقيه الإيراني علي خامنئي يرى أن الواجب يقضي بأن لا تبقى سوريا بلا شيعة. ومنذ عدة سنوات، يقوم جيش من الشيعة العراقية والأفغانية، بقيادة ضباط الحرس الإنكشاري الإيراني، بزراعة الشيعة في التربة السورية. ويسقيها بدماء السوريين.
هناك احتلال إيراني لسوريا، يضفي عليه غباء النظام السوري «الشرعية». والهدف استكمال تفتيت الغالبية (السنية) التي تعتبر الجدار الحامي لعروبة المشرق العربي، بعد أن استكمل النظام العراقي الموالي لإيران تشريد وتبديد الكتلة السنية العراقية، تحت ستار «مكافحة الإرهاب».
من يسهم ويخدم المهمة «الجليلة» لخامنئي؟ في غباء مماثل لغباء نظام بشار، لبس تنظيم داعش مسوح الخلافة الإسلامية المزعومة. فأوقع بتزمته اللاإنساني ظلماً لا يغتفر. ولا يحتمل بالكتلة السكانية في سوريا والعراق. ثم أغرى بحربه الإرهابية ضد أوروبا وأميركا آلة الحرب الغربية المتفوقة بقصف «دار الإسلام الداعشية». وكانت النتيجة قتل ألوف المدنيين السنة. وتهجيرهم وفرارهم إلى الفضاء المجهول.
أما تنظيم «القاعدة» فاتبع أسلوب الضفدع والحرباء في تغيير اللون. فاحتال على سذاجة التنظيمات السنية المسلحة. بتحويل اسمه إلى «جبهة النصرة». ثم إلى «فتح الشام». وكان الطرف الفاعل في تهجير السكان السنة من إقليم القلمون (الممتد على المنحدرات الشرقية لسلسلة جبال لبنان الشرقية، إلى الزبداني وقراها الجبلية كمضايا وبقين...).
إلى أين تهجر «القاعدة» هؤلاء؟ إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها. فتتركهم ضحايا الطيران الروسي. ووحشية الطيران السوري ببراميله المتفجرة وكيماوياته السامة. تنظيم «القاعدة» كارثة على المعارضة السورية. ففي المناطق التي يتقوقع فيها (إدلب. القلمون. ريف دمشق) لا يبادر إلى القتال إلا إذا هاجمته ميليشيات الغزو الإيراني. فيبقى تحت الحصار، ليمارس تطبيقاً دينياً، لا يقل تزمتاً وظلماً للسكان السنة، عن «الدواعش» المتحكمين بالعشائر العربية السنية في شرق سوريا وغرب العراق.
ميليشيات الغزو الإيراني تمارس، مع بقايا قوات النظام، حصار وتجويع مناطق «القاعدة»، تمهيداً للتوصل معها إلى اتفاقات موضعية لتفريغها من السكان المدنيين، كما حدث أخيراً لحي الوعر الذي يضم أربعين ألف ساكن. وعادة تستولي ميليشيات «القاعدة» على المؤن والأغذية الضئيلة التي تنجح أحياناً هيئات الإغاثة السورية والدولية في توصيلها إلى هذه المناطق. والحجة دائماً هي تسمين المقاتل حماية له من الجوع، ليبقى جاهزاً للقتال.
شكراً لتركيا. فقد أقامت منطقة أمنية في غرب الفرات، امتداداً من بلدة جرابلس إلى أعزاز الحدوديتين، وجنوباً إلى مدينتي منبج والباب اللتين انتزعتهما من «داعش» والميليشيات الكردية. وأوكلت تركيا إلى تنظيمات دينية و«إخوانية» إدارتها. وبالتنسيق مع روسيا، يحمي الطيران التركي المنطقة. وبات المدنيون السوريون المهجرون من مناطق مختلفة يفضلون الإقامة فيها، حيث يتوفر نسبياً السلام. والأمن. والغذاء. والإغاثة. والرعاية الصحية والتربوية.
توطين ميليشيات الغزو الإيراني يبدو واضحاً في دمشق. وضواحيها. ومدينة «السيدة زينب» التي تعج بالإيرانيين. وهناك أقوال عن اعتزام إيران ونظام بشار غزو ريف دمشق الشرقي (دوما. حرستا. زملكا. جوبر...) لإسكان أهالي الميليشيات.
لعبة الأمم مستمرة في سوريا. ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي، ذهب إلى موسكو، بعد قصف قاعدة «الشعيرات» الجوية السورية، لإقناع الرئيس بوتين بالتخلي عن بشار. وتولية ضابط في نظامه محله. كي لا يحدث في سوريا ما حدث في العراق عندما سرحت أميركا جيش صدام. فحكمت الفوضى العراق مع عملاء إيران.
التحالف الغربي - العربي يواصل حربه ضد «داعش». لكن العرب يفضلون التعتيم على مشاركتهم القتالية، لاعتماد أميركا على المرتزقة من قوات «سوريا الديمقراطية» في مقاتلة «داعش». ومعظم هذه القوات من تنظيم تابع لـ«حزب العمال الكردي» في تركيا المسجل «إرهابياً» في السجلات الأميركية!
إيران هي الرابحة من عدم الاتفاق بين روسيا وأميركا. الرئيس ترمب لن يتخلى عن الاتفاق النووي مع إيران. لكنه عازم على منع تدخلها في اليمن. والضغط على المخلوع علي عبد الله صالح، لوضع حد لتعاونه المسلح مع الحوثيين مرتزقة إيران في اليمن. أما في سوريا فقد باتت واضحة معارضة ترمب للغزو الإيراني لسوريا. وقد تزايد أخيراً عديد قوات النخبة الأميركية. وليس مستبعداً أن تلجأ أميركا إلى استعمال قنبلة الأعماق ضد القواعد الجوية السورية التي أجرتها ضد طالبان في أفغانستان، إذا ما واصل نظام بشار استعمال سلاحه الكيماوي.
موقف ترمب يختلف كلياً عن موقف سلفه أوباما. ترمب لا يطالب بوقف الحرب في اليمن، ما دام أن إيران منهمكة في التورط بتسليح الحوثيين في اليمن وبغزو سوريا بالميليشيات الأفغانية. والعراقية. واللبنانية.
إيران ليست وحدها التي تمارس توطين الغرباء الأجانب محل السكان العرب في سوريا. إسرائيل أيضاً تحاصر الفلسطينيين في القدس. وغزة. وتمارس توطين اليهود في الضفة الغربية (600 ألف يهودي إلى الآن). مع الأسف عروبة الفلسطينيين لم تتغلب على فراق الأشقاء في غزة والضفة.
تغيير النسيج السكاني في الأراضي المحتلة ممنوع بمعاهدات دولية أقامها النظام العالمي. المشكلة في الفيتو الروسي الذي يحمي توطين الشيعة في سوريا. ويمارس تفكيك وإبادة السنة. وصور المدن السنية الكبيرة تثير الرعب لفظاعة التدمير المتعمد للمباني الحديثة. والعمران التقليدي. وتعطيل الخدمات الصحية. والتعليمية. والمائية. والإنارة. والتدفئة.
هل هناك حل عربي في سوريا؟ المشكلة في غياب إجماع عربي على إدانة جرائم النظامين السوري والإيراني. ليس هناك وفاق عربي لحماية عروبة سوريا. ولا يتوفر وعي بأن تغييب عروبة سوريا سيؤدي لاحقاً إلى النيل من عروبة الأنظمة التي تباهي بحيادها إزاء المأساة السورية.
هل من المنطق والمصلحة، الحديث عن دور مصري لحماية عروبة سوريا. وإنقاذها من التمزيق. والتقسيم. والتوطين. والتهجير؟ مصر منهمكة في حل مشاكلها الاقتصادية والداخلية. ومكافحة الإرهاب «الداعشي» الذي تجاوز سيناء، للتغلغل في المدن الكثيفة السكان، بحيث يصعب الحديث عن دور عسكري مصري في سوريا. والأرجح أن هناك تنسيقاً مع السعودية لم تعرف تماماً أبعاده، بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسعودية ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.