حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قوائم وألقاب

كلما وقعت عيني على القوائم المختلفة عن «أهم مائة شخصية في العالم العربي»، أو «الشخصيات المائة الأكثر تأثيراً»، أو «أقوى مائة شخصية في العالم العربي»... وغيرها من القوائم المتشابهة، تظهر الابتسامة على وجهي، وأحياناً ينتابني الضحك. فهذه القوائم بعضها مدفوع الأجر عن طريق شركات العلاقات العامة، مقابل مبالغ يتم الاتفاق عليها. وتحولت هذه القوائم مع مرور الوقت إلى حفلات أشبه بالأوسكار في زخمها وما تتضمنه من هرج ومرج ودعوات توزع ذات اليمين وذات الشمال، وتغطية إعلامية مدفوعة الثمن هي الأخرى.
كنت في حوار مع أحد الأصدقاء من كبار رجال الأعمال في العالم العربي الذي يرفض رفضاً تاماً وباتاً مبدأ المشاركة في هذه النوعية من القوائم، فقال إن هذه القوائم ومن يدفع للمشاركة فيها ليس بحاجة لخبير اقتصادي ومالي لمعرفة أسباب مشاركته بها، ولكن إلى رأي الطب النفسي، لما يعكسه ذلك الأمر من نرجسية عالية للغاية. ولكن هناك سبب آخر باتت معه مثل هذه القوائم تكتسب نوعاً من المصداقية مع الأسف؛ هو غياب آلية البحث الاستقصائي والاطلاع على الرأي العام لمعرفة حقيقة موقف الشارع الذي تعتقد هذه القوائم أنها تتحدث بالنيابة عنه. الشخصية نفسها تفوز كل عام بلقب الشخصية الأكثر تأثيراً في العالم العربي، فأي تأثير يتحدثون عنه؟ هل هو مؤثر في سعر النفط؟ أسعار الخبز؟ إزالة الدعم عن السلع؟ تخفيض معدلات البطالة؟ رفع معدلات الفائدة؟ أي تأثير يتحدثون عنه؟
هذه النوعية من «التوظيف المعلوماتي» مسألة ليست بالجديدة، فقد استخدمها الجميع من قبل وفي كل المجالات بلا استثناء؛ ففي الفن كان هناك «عميد المسرح العربي» و«فنان الشعب» و«الموسيقار الخالد»، وفي السياسة كان هناك «الزعيم الخالد» و«القائد الركن» و«القائد الخالد»، وفي الرياضة «محبوب الجماهير» و«السهم الملتهب» و«ساحر الكرة»... كلها ألقاب مؤثرة لصناعة الرأي العام وخلق موجات من قطاع من الناس مسيّر. كلمات بسيطة مع تكرارها تثبت في الذاكرة والذهن، وتتحول مع الوقت إلى حقيقة غير قابلة للمجادلة ولا التشكيك ولا التحدي.
كنت أتابع برنامج فتاوى دينية على إحدى القنوات الفضائية العربية، وتلقى الضيف، وهو أحد الشخصيات الدينية المعروفة، اتصالاً من أحد المشاهدين يستفسر فيه عن مسألة دينية، فأجابه رجل الدين وقال له إنها مسألة «اتفقت عليها الأمة وأجمع عليها جمهور العلماء». وما قاله جملة شديدة الخطورة والأهمية، فهي تفترض مسألة علمية (الاتفاق والإجماع)، كيف يتم هذا القول والجزم به دون معيار علمي دقيق يتم فيه «قياس» لجمهور العلماء «العريض جداً»؟ فكرة استغلال الاندفاع العاطفي والحكم المسبق بالنيابة عن الغير رسالة واضحة على عدم احترام الآخر والاستخفاف برأيه وعدم تقديم أي قيمة أو مكانة أو احترام له. هناك مسائل واضحة الملامح لا تحتمل أنصاف الآراء، ولكن لتقديم الرأي العلمي الدقيق فيها لا بد من أن يصاحب ذلك الرأي تحليل وبحث يسانده ليعطيه المصداقية والجدارة والاحترام.
شراء الألقاب وترتيب القوائم آفتان من علل غسل الأدمغة التي يتعرض لها عامة العرب بصور مختلفة؛ منها ما يبدو في ظاهره أنه أنيق ورشيق، ومنها ما يبدو أنه تاريخي وموثق وأمين، ولكن كليهما لا يمتلك ذرة مصداقية، فيفقد الجدارة. هذا هو الحال الحزين.