د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

«الكيماوي» يعصف بالأسد

الهجوم الكيماوي على خان شيخون يعتقد أنه هجوم جوي بالسلاح الكيماوي من تنفيذ النظام السوري لأنه الطرف الوحيد الذي يمتلك سلاح طيران بين الفرقاء المتحاربين في سوريا ومن بينهم «داعش» و«جفش»، الهجوم الذي وقع بمنطقة تسيطر عليها قوات المعارضة السورية بريف إدلب مؤخرا، خلف 100 قتيل جلهم من الأطفال، وقرابة 400 مصاب، كيماوي خان شيخون وتساقط ضحايا مدنيين نيام في بيوتهم لا يوجد بين صفوفهم مقاتل واحد من «داعش» ولا «النصرة» ولا «جفش» ولا حتى الجيش الحر، أمر خطير ومروع وكارثي كبير، مما حدا بالرئيس الأميركي دونالد ترمب لأن يقول «يجب أن يحدث شيء ما» مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكما نعلم أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تليرسون قال إن واشنطن «تدرس رداً ملائماً» على الهجوم، ولم يتأخر الرد كثيراً، فجاء سريعاً، حيث أطلقت السفن الحربية الأميركية 59 صاروخاً من طراز «توماهوك» ضد عدد من الأهداف التابعة للحكومة السورية، انتقاما لضحايا خان شيخون، البلدة السورية التي تبعد مسافة 37 كلم عن مدينة حماة، التي ارتكب فيها «الأسد الأب» مذبحة حماة، حيث دكها بالطيران والمدفعية في ثمانينات القرن الماضي مخلفاً آلاف الضحايا.
وعن هجوم خان شيخون، أكدت مصادر مطلعة، بناءً على نتائج الاختبارات الأولية، أن المصابين تعرضوا لمادة السارين، رغم الرواية الروسية المخالفة كالعادة، والتي اعترفت بوجود غارة جوية لقوات الأسد والتي أنكرها نظام الأسد، حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيجور كوناشينكوف: «إن الغارة السورية استهدفت مستودعاً كبيراً للذخيرة شرق مدينة خان شيخون كان يستخدم في إنتاج وتخزين القذائف المحتوية على الغاز السام».
الرد الأميركي على هجوم خان شيخون لم تتركه وزارة الدفاع الأميركية تعصف به التكهنات حول كون هذه الضربة العسكرية على مطار الشعيرات في وسط سوريا هي واحدة من سلسلة عمليات، أو ضمن حزمة من ضربات مقبلة، حيث قال المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس: إن «الهدف من الضربة العسكرية هو ردع النظام السوري عن القيام بذلك (الهجوم الكيماوي) مجدداً».
ولكن على الرغم من هذا التطمين لكون العملية محدودة، فإن هذا لن يمنع تكرارها ولأسباب متعددة، فالأسد المحتمي بالدب الروسي لم يعد ممكناً القبول به في أي مرحلة من مراحل التسوية المقبلة، وخصوصاً طويلة المدى، وهذا الهجوم الرادع هو رسالة للدب الروسي قبل الأسد السوري بأن المعادلة تغيرت رغم موقف قوات الأسد على الأرض.
والعبث الذي يمارسه «الأسد» لم يعد ممكناً القبول به في أي تسويات مقبلة، وعلى الدب الروسي والمرشد الإيراني البحث عن ممثل آخر لمصالحهم في سوريا بديلاً للأسد الذي كُتبت شهادة وفاة نظامه سياسياً ولم تنفع معه محاولات الإنعاش الروسية ولا شحنات التنشيط الإيراني، رغم الضخ الهائل للأسلحة والأموال، بل وحتى الجنود الذين رجعوا من غير أكفانهم.
الموقف الدولي لم يعد في صالح الأسد ولا مناصريه ولا حتى من كان يرى ضرورة بقاء الأسد مرحلياً كجزء من المرحلة الانتقالية لم يعد مقتنعاً بذلك، ولعل تبدل موقف الإدارة الأميركية الجديدة كان واضحاً في تصريح الرئيس ترمب: «ما حصل يشكل بالنسبة لي تجاوزاً لكثير من الخطوط الحمراء، من المحتمل جداً أن موقفي تجاه سوريا والأسد قد تغيّر كثيراً جداً، أؤكد لكم أن هذا التغيير في الموقف قد حصل».