خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

إخوانيات الأدباء والفنانين

طالما كتبت وأسهبت عن الشعراء في إخوانياتهم. كذلك الأمر بين الأدباء والمفكرين والفنانين. وأصاب الكثير منها شهرة عالمية. كان منها ما تبادلته الأديبة مي مع الشاعر والقصاص جبران خليل جبران. وفي عالم الغرب اشتهرت المراسلات بين برنارد شو والممثلة ألين تري.
وعلى هذا السياق جرت المراسلات بين الكاتب صمويل بتلر والرسامة الايزة سفيج. تمسك الأول بعزوبته ولم يختلط بأي امرأة سوى هذه الفتاة التي عاشت وماتت مثله عزبة. ولكن مراسلاتهما الطويلة ربما كشفت عن حب أفلاطوني بريء بينهما. كانت الايزة سفيج قبيحة وعرجاء. ولعل هذا هو الذي جذبه إليها. كان واثقا في أنها لن تغريه وتخرجه من عزوبته، وكانت علاقة ظريفة أثمرت رسائل لا تقل ظرفاً. وعندما ماتت أبّنها بقصيدة قال فيها:
عرجاء، بدينة وقصيرة ودميمة أربعون عاماً من العمر وهي تبالغ في كرمها.

أضاع صمويل بتلر مظلته يوماً، فكتبت الايزة له رسالة قالت فيها: «كلا لا أثر لمظلتك هنا في بيتي. أنا متأسفة لك ولكنني أعتقد أنك ستعثر عليها. كل المظلات التي أضعتها عادت إليّ بعد مدة قصيرة. لم أضيع قط أي مظلة من مظلاتي. وعندما تلفت واحدة منها وتمزقت اقتضى علي أن أرمي بها على المجتمع ليلاً خوفاً من عودتها إليّ».
إنها حكاية تذكرني بحذاء أبي القاسم الطنبوري في الأدب العربي. مضت الايزة تروي له مغامراتها مع مظلاتها: «قذفت إحداها في النهر ولكنها ظلت تعوم حتى وصلت إلى خليج بسكاي. كنت قد ودعتها بالسلامة في نهر فيلين عام 1867... رآها الناس في السنة الماضية تعوم في خليج بسكاي، لقطوها وأعادوها إليّ»!
وفي رسالة أخرى كتبت له عن مصادفتها المستر غلادستون، رئيس الوزراء، فقالت: «بالمناسبة، رأيت المستر غلادستون في الأسبوع الماضي. كان خارجاً من بيت اللورد سلبورن. وبدا لي منزعجاً وشاحباً إلى درجة كبيرة.
يظهر أنه يجد من الصعب عليه أن يتخذ قراراً في عبور الشارع. فرغ غضبه علي كما لو كنت أنا المسؤولة في إعطائه قراراً ورأياً في الموضوع. وعندما تعذر علي العثور على أي طريقة أجعله يندس بها تحت إحدى العربات، فقد امتنعت عن إعطائه أي رأي في الموضوع... عبور الشارع في ذلك المكان سهل وسليم بصورة مزعجة حقاً»!
كان كلاهما صديقين للكاتب توماس كارلايل. فكتبت إلى بتلر عن زواجه تقول: «ألا يسرك أن تسمع بأن المستر كارلايل والمسز كارلايل قد تزوج أحدهما الآخر الآن؟ لقد خلقهما الله بحيث جعلهما لائقين تماماً لبعضهما. انزعجت ليلة أمس عندما سمعت إحدى السيدات تعزو سوء طبعه لسوء معدته، قلت لهم الأصح هو أن سوء معدته يعود لسوء طبعه؛ فالإنسان يولد بسوء طبع ولكنه يكتسب سوء المعدة فيما بعد».
أجاب بتلر على هذا الكلام برسالة قال فيها: «نعم لقد أحسن الله عندما جعل المستر كارلايل لا يتزوج بغير المسز كارلايل؛ فمن الأفضل أن يبتلى المجتمع بشقاء شخصين من أن يبتلى بشقاء أربعة أشخاص»!