حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

العبرة الألمانية والإرهاب!

حظر أجهزة الكومبيوتر النقالة والأجهزة اللوحية على بعض خطوط الطيران كان بسبب وجود تهديد أمني في غاية الجدية من تنظيم القاعدة. إرهابي مجرم يقوم بعمل دموي أدى إلى مقتل أبرياء في لندن، في عمل تبنته المجموعة الإرهابية المعروفة باسم «داعش»، وهي المجموعة ذاتها التي تقوم باغتيال الجنود المصريين في سيناء والتفجير في ليبيا. وفي سوريا تظهر لنا جماعة تنظيم «حزب الله» الإرهابي المرتزقة وهم يقتلون الأبرياء ويروّعون المدنيين دفاعاً عن نظام الطاغية بشار الأسد. ثم يأتي من بيننا من يقول: إن هؤلاء جميعاً ما هم إلا أدوات وعناصر زرعت من قبل المخابرات العالمية لإثارة البلبلة والفتنة بيننا، وإننا لا علاقة لنا بذلك.
هذه المقولة هي في واقع الأمر مقولة مريحة للغاية تفي بالغرض لإخلاء المسؤولية تماماً عن الأطراف المعنية. ولكن السؤال البسيط الذي يفرض نفسه: هل كانت مجاميع «الخوارج» التي خرجت على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب هي الأخرى أداة في أيدي المخابرات العالمية؟ لأن فكر الخوارج هو الذي أدى لوصول «القاعدة» و«داعش» بيننا اليوم. وكذلك: هل كانت فرقة «الحشاشين» بقيادة حسن الصباح هي أيضاً أداة في أيدي المخابرات العالمية؟ لأنها هي نفسها التي أثمرت فكرياً تنظيم «حزب الله» الإرهابي بزعامة حسن نصر الله اليوم. أسماء مثل الظواهري والبغدادي وحسن نصر الله وجهيمان وشكري مصطفى كلها وجوه للشر، وهي نتاج ذلك التراث المشؤوم.
أستغرب جداً من السماح بالتجرؤ على «تصحيح» أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم القيام بعمل الشيء نفسه بالنسبة لفتاوى دموية مجرمة كل ما يحصل تجاهها اليوم هو «الدفاع» عنها وعن صاحبها والقول: إن العيب ليس فيها ولكن في الجمهور الذي «لم يفهمها بالشكل المطلوب». أي هراء هذا؟! إننا اليوم مطالبون بقطع الحبل السري بأشكاله كافة مع كل ما يمت لتراث الإرهاب بصلة؛ قطيعة تامة بلا عودة عنها ولا مجاملة فيها.
حالنا اليوم أشبه بما حصل لألمانيا عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية؛ فلقد قررت ألمانيا وقتها الخلاص التام من كل شيء له علاقة بتراث النازية؛ استئصال الفكر النازي من جذوره تماماً، وهي مهمة كانت شمولية لأنها تعرضت لكثير من الرموز الفكرية والثقافية والأدبية، وتمت مراجعة كثير من النصوص والمؤلفات الهائلة التي كانت لها المكانة الاستثنائية في الوعي والضمير الألمانيين، بل إن الأمر وصل إلى منع الاستماع إلى مؤلفات الموسيقار الكلاسيكي المعروف فاغنر لأن أدولف هتلر كان يستمع إليه، وكان الخوف لدى الألمان من أن يكون لمؤلفات الموسيقار فاغنر رابط وتأثير على التحول العدواني للنازيين. وبعد ذلك جرمت ومنعت ألمانيا التعاطف والانتماء إلى هذا الفكر النازي، وعرفت ألمانيا أن الخلاص من هذا الفكر الإجرامي لن يكون إلا بحل جذري كامل لمواجهة سرطان التطرف والتعصب.
الدرس الألماني نجح، وتحولت ألمانيا إلى دولة منفتحة على الحضارات، وقادت «اتحاد» أوروبا الذي كانت تعاديه. واجهت إرهاب النازية وتخلصت من تراثها الإجرامي، وانتصرت في النهاية.
العالم العربي بحاجة لأن يطبق الدرس الألماني بحذافيره في مواجهة التطرف، بدلاً من المواجهة الفكرية التي تحصل بقفازات من حرير وبلا جدية كافية.