حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الدرس الآسيوي!

كيف تتحول الهزيمة والعداء إلى حالة إيجابية ومحفزة للتطوير والتغيير؟ هل هذا ممكن أم أن تغيير الحال من المحال؟
هذا السؤال يبدو وجيها ونحن نمعن في النظر والتأمل في الحالة العربية العامة الموجودة حولنا اليوم، وتحديدا ذلك الانغماس العظيم في الماضي بنكباته ونكساته ووكساته، حتى بات لا حديث سوى الماضي، من دون التأمل في الحاضر، وبالتالي إهمال المستقبل.
أتمعن في التجربة الآسيوية وأحاول الاستفادة منها. اليابان إمبراطورية عظيمة تعرضت لهزيمة هائلة ودخلت السجل الأسود في التاريخ، لتكون أول دولة تتعرض للهجوم بقنبلتين نوويتين عليها، مما أدى إلى استسلامها بشكل كامل، ولكنها حولت هذا الإحساس المأساوي إلى طاقة لإثبات الذات والتغلب على شعور الهزيمة الذي يتناوله التراث الياباني. وبالتدريج كانت ردة الاعتبار اليابانية بالشكل الاقتصادي، وكانت السلع اليابانية مثار جحود، ونسخة مقلدة من المنتجات الغربية.
ولكن بمرور الوقت تفوق المصنع الياباني بجودته وقيمته ومنتجاته، حتى باتت مضربا للأمثال. وكانت الضربة القاضية في الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، حينما تبوأت شركتا «تويوتا» و«هوندا» أفضل العلامات التجارية للسيارات، و«سوني» أفضل منتج إلكتروني، وإطارات «بريديجستون» أفضل إطارات على الطريق. كل ذلك تم الإعلان عنه في السوق الأميركية، أي في عقر دار الخصم السابق الذي أسقط القنابل النووية على اليابان.
يا له من انتصار لذيذ! واستمرت الروح الإيجابية تتولد لتفتح الشهية اليابانية على مزيد من الإنجازات، فتقوم شركة «سوني» بشراء «باراماونت» كبرى شركات السينما في أميركا، في رسالة مهمة، أن اليابان تتوسع صناعة وثقافة في آن واحد في عقر دار أميركا.
ونفس الشيء قامت بعمله الهند ضد مستعمرتها القديمة بريطانيا، فالاستعمار البريطاني للهند ترك آثارا سيئة في النفوس الهندية. ويتذكر رجال الأعمال الهنود زيارة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث إلى جناح الهند في المعرض الصناعي الكبير في بريطانيا في الستينات الميلادية من القرن الماضي، وقال: «وهل لدى الهند صناعة أصلا؟» لتمضي الأيام، ويمتلك الهنود أكبر مصانع الحديد في بريطانيا، وأيضا يملكون أهم شركات السيارات «الجاكوار» و«اللاندروفر»، وذلك في انتقام اقتصادي لطيف حولت فيه الطاقة السلبية إلى إنجاز بدلا من التندم والتذمر والتأفف على ما فات.
والشيء ذاته قامت بعمله كوريا الجنوبية، التي عانت مر المعاناة من اليابان التي احتلتها واستعمرتها، فكان الانتقام بالتقليد التام للنموذج الياباني. وبالتدريج قامت الشركات الكورية لتثبت جدارتها وتأكل من حصص السوق فيها ومنها، وكانت ردة الاعتبار اقتصادية.
وهناك النموذج الفيتنامي، هذه الدولة التي دُمرت بأبشع الأسلحة الكيمائية، وقضي على البنية التحتية فيها، عادت لتشارك عدوها السابق الولايات المتحدة الأميركية بشكل هادئ، حتى أصبحت الورشة الخلفية لمنتجاتها الخفيفة، وتم لها ذلك بنجاح غير عادي.
الرسالة الآسيوية هي القدرة على تحويل الشعور بالعداء والإحساس بذل الهزيمة، والسقوط في فخ المؤامرة، إلى طاقة عظيمة للإنتاج والإبداع والعمل، لتكون القدرة الإنتاجية أهم وسائل رد الاعتبار.