خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

بين شاعرين وثائرين

الشاعران العراقيان زاهد محمد زهدي وعزيز الحاج ربطتهما عدة روابط، أولها الرباط القبلي، فكلاهما من الأكراد الفويلية الذين سكنوا شرق العراق، وكانت بينهما أيضاً علاقة قربى، وثالثاً: انتميا للحزب الشيوعي والحركة اليسارية وهذا جرهما لرابطة السجن في العهد الملكي. ومن كل هذه العلاقات تفتقت مجموعة ظريفة من الشعر الإخواني الذي ضم بعضاً من ديوان «الإخوانيات» للدكتور زاهد.
هكذا لم يطق أبو عمار انقطاع الوصال بينهما لحين من الزمن فخاطب قريبه ورفيقه في النضال عزيز الحاج قائلاً في قصيدة ضمت شتى الإشارات السجونية:

ربما كنت لدى «ريمي» الذي
شغل القلب من العمر زمانا
أم لدى حسناء باريسية
تبتغي أن تكسب اليوم الرهانا
بعد أن ولى شباب أهرقت
خلف «أسوار» أمانيه عيانا
لم يجد إلا الضنا والقيد في
كاحلين استمرآ ذاك الأمانا
نحن والقيد تصافينا فلا
نشتكي إلا لحالينا هوانا
كلما رثّت جلود أبدلت
غيرها، إذ هكذا كنا وكانا
كم سقيت الدم يا قيد وما
زلت مثل الأمس يسقيك سوانا

كانت «ريمي» القطة الفرنسية التي تعلق بها عزيز الحاج حتى مماتها ودفنها في مقبرة القطط في باريس. ما إن تسلم هذا الفاكس حتى انبرى ليرد على زميله، عفواً رفيقه، بفاكس مقابل ضم هذه الأبيات بالوزن والقافية نفسهما:

لم يصب ظنك في أحداسه
فلقد أخطأت في رصدي مكانا
لم أفارق غرفتي من أمد
لزكام مزمن هد الكيانا
بين عطس «حيدري» صاخب
مستمر أفقد الناس الأمانا
وسعال هد باريس وقد
راح بغداد ولم يغفل عمانا
فتنادى كل جيراني إلى
«وقفة العز» وصاحوا قد كفانا
وأتوني مثل جيش زاحف
عازم أن يشعل الحرب العوانا
وأذاقوني دواء شافياً
أودعوه ركلة والخيزرانا
وتوالى ضربهم ثم مضوا
بعد أن أبقوا ببابي ديدمانا
بهدلوني ومعي قد أتلفوا
ذلك الفايروس فالضرب شفانا
وعسى أن تكرهوا خيراً لكم
من علاج حرمته «الخستخانا»
وسألتم عن حبيب راحل
ملك القلب وأنساني الحسانا
غير أني مثلما أخبرتكم
في حصار واسألوا «كوفي عنانا»

وبعث إليه زاهد بهذين البيتين الشعريين من باب المواساة:

الدهر لو عاداك
آه...! بالــــــك تـــــــــــــــــــصـــــــيح
خلي الرمح بعلاك
واصبر من تطيح