مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

عاشت الفهلوة!

خبر ظريف، ومستفز في آن، طالعته بجريدة «المصري اليوم»، في قسم رائق من الجريدة تحت وسم «المصري اليوم لايت».
الخبر يتحدث عن مشكلة فعلية في التربية والتعليم، من خلال هذه الحكاية:
«شهدت امتحانات (الميدتيرم) لطلاب الفرقة الثالثة بقسم الفلسفة جامعة بني سويف، هذه الواقعة، حيث أجاب الطلاب عن سؤال حول السيد المسيح وفقاً لرؤية نيتشه، الفيلسوف الألماني الشهير، وأجاب عدد من الطلاب، عن كيفية الغدر بالمسيح من قبل يهوذا، وفق رؤية نيتشه، فقالوا: (يهوذا باع المسيح للرومان مقابل 30 دولاراً)».
بينما نيتشه تحدث عن بيع المسيح من قبل الحواري الخائن بـ3 قطع من الفضة، وليس ثلاثين دولاراً، لأن الدولار، لم يوجد بعد، وأميركا نفسها، لم تكن مكتشفة!
يتابع الخبر فينقل عن الدكتور محمد كمال، أستاذ فلسفة الأخلاق بجامعة بني سويف، أنه فوجئ بكتابة أكثر من 15 طالباً من الدفعة هذه الجملة في عبارتهم أن «(يهوذا باع المسيح مقابل 30 دولاراً)، ولم يفكر الطلاب ولو للحظة واحدة أن المسيح ولد منذ أكثر من 2017 عاماً».
وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى، ففي العام الماضي فوجئت في سؤال آخر عن أبرز هوايات الفراعنة كتابة عدد كبير منهم الدرجات البخارية»!
ختم دكتور الفلسفة المصري المحبط: «على الحكومة توفير أدوية ضغط وسكر لأعضاء هيئات التدريس لما يعانونه... حسبي الله ونعم الوكيل أنا جالي السكر».
ربما رأى بعض أن هذه الإجابات «الهبلة» من الطلبة أتت على سبيل المزح واستخفاف الدم، لكن الحال غير ذلك، وكلنا يعرف ماذا تمثل الشهادة الجامعية لأي شاب، خصوصاً المصري في هذه الظروف الصعبة، من أجل النجاح في تحديات العمل والحياة.
إذن الوصف الصحيح هو أن هذه الإجابات، وهنا الكارثة، تمثل مستوى الثقافة والوعي، وتعبر عن حالة الاستسهال و«الفهلوة»، أو كما يقال بالعامية السعودية «الفهاوة»، وهو تعبير عبقري يقصد به اللامبالاة والبلادة والفراغ الذهني.
هذه مؤشرات خطرة تقود لنتائج أخطر، ولا يقال إن هذه النماذج محدودة وقليلة، بل هي في تكاثر، خصوصاً مع «وهم» المعرفة الذي تمنحه وسائط السوشيال ميديا ومحركات البحث على الإنترنت.
ثمة جرأة، تصل حد التهور، في التعالم والفهلوة و«الفهاوة» لدى كثير من الشبيبة، لا نقول كلهم، أكيد هناك نماذج زاهية.
أظن أن تكريس مبدأ الثواب والعقاب، والإلحاح على الإجادة في التعلم، هما المفتاح لتنقية الشباب من أوضار الاستخفاف والاستهتار.
إعلاء مكانة العلم، وتوقير المعرفة، السبيل الوحيد لبناء الإنسان الكامل، حتى لا يتكاثر مرضى السكري من المعلمين.
[email protected]