طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مكافأة نهاية الخدمة!

قالت لي النجمة الكبيرة إبداعاً وعمراً، قبل أيام قلائل من تكريمها عن مجمل أعمالها في المهرجان السينمائي الوليد: هذا المهرجان يبدأ أولى أوراقه وأنا ألملم أوراقي، هم يكرمون مشواري الذي يصل لخمسة عقود من الزمان، هل هي مكافأة نهاية الخدمة؟
قلت لها: لا أحد يستطيع أن يقرأ على وجه اليقين أفكار الناس، هم يريدون تحقيق بريق لمهرجانهم، ولهذا وجدوا في اسمك ووجودك وتاريخك ما يحقق لهم الضوء، المهم بماذا تشعرين أنت؟ أجابتني: مشاعري متضاربة، حتى أنني أفكر جدياً في الاعتذار، فأنا لا أحب لحظات الوداع، كما أن بداخلي طاقة لا أريد تبديدها في تلك اللقاءات التي تشبه المعلبات فاقدة الطعم، الفنان لا يكفيه أن تقول له: نشكرك على الماضي الجميل، بينما هو ينتظر أن يعيش حاضراً أفضل، كل يوم يحلم بمكالمة من منتج أو مخرج يقول له: سوف أرسل لك السيناريو وأنتظر موافقتك، هذه هي الكلمات التي طال انتظاري لها، لم أعد أتلقى في الأعوام العشرة الأخيرة، إلا ترشيحات للتكريم أو لجان التحكيم أو التمثيل كضيفة شرف، السينما بيتي فهل صاحبة البيت تحل ضيفة عليه؟
هم يعتقدون أنني سعيدة بهذا اللقب الذي يكتبونه سابقا اسمي «ضيفة شرف»، بينما أنا أتمزق كلما قرأته، تسألني، لماذا أوافق أحياناً، ما دام أن الأمر مؤلم إلى هذا الحد؟ أمامي كأسان كلتاهما مُرة، ليس لدي سوى المفاضلة بين ألم وألم، إما أن أغلق الباب تماماً وإما أنتظر من يطرق الباب، وأنا أعلم جيداً أنه لن يأتي، فلا مخرجو الجيل الذين يعملون الآن في الساحة يفكرون في أن يسندوا لي أدواراً، كما أن النجمات الجدد يعتبرن جيلي نموذجاً للوهج والتألق، كانت أسماؤنا تتصدر الأفيشات ونسبق أسماء النجوم الرجال، والناس تقطع التذاكر من أجلنا، نجمات هذا الجيل لم يحقق الكثير منهن شيئاً من هذا، هن لا شعورياً يكرهن وجودنا، المقارنة ليست أبداً في صالحهن، وجودنا يذكرهن بهزائمهن، فلا واحدة منهن صارت نجمة شباك.
فكرت أن أنتج لأثبت أن الزمن لا يزال زماننا، ولكني اكتشفت أن التجربة محفوفة بالمخاطر، ثم إن أقلامكم لن ترحمني، ونظرتْ إليَّ ملياً وكأنها تقصدني فقط دون كل النقاد العرب، بتعبير «لن ترحمني»، وأضافت سوف تقولون في «المانشيت»، بفلوسها تتصدر الأفيش، تريد إيقاف عقارب الزمن، كثيراً ما أشعر أن من حقي أن أفعل ما أفكر فيه، ولا أخشى مقالاتكم، ولكني أتراجع في اللحظات الأخيرة، حتى لا تصبح الهزيمة هزيمتين، مادية وأدبية.
أتذكر آخر سنوات إسماعيل يسن في السينما، فلقد عاصرته كمتفرجة في سنوات نجاحه وتألقه وتحقيقه لأعلى الإيرادات، وعندما بدأت مشواري في النجومية، كان قد بدأ يعاني التراجع والأفول، وكمحاولة أخيرة، قرر أن يضحي بتحويشة العمر، وذهب في جولة لعدد من الدول العربية وعرض مسرحياته الشهيرة هناك، ولكن الناس لم تقطع له تذاكر، وعاد مفلساً، ولم يكن أمامه سوى تقديم «مونولوجات» في شارع الهرم حتى يجد قوت يومه.
قلت لها: هل تعتذرين عن حضور المهرجان؟ أجابتني: أنا أختار بين ألم وألم، سأذهب للتكريم، وسأنتظر السيناريو، فليس لدي سوى أن أحلم. ويبقى عزيزي القارئ أن أقول لك إن الأمانة الصحافية تقتضي أن أعترف أن هذا الحوار لم يحدث بكل تلك التفاصيل، ولكنه من الممكن أن يحدث بكل تلك التفاصيل وطبق الأصل تماماً!!