د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الذوق في التعامل... نتائج أفضل لعمل الأطباء

ضمن الاستفادات التطبيقية للبرنامج القومي الأميركي لتحسين جودة الجراحة National Surgical Quality Improvement Program، عرض مجموعة من الباحثين بالولايات المتحدة نتائج دراسة تأثيرات نوعية العلاقة بين الطبيب الجراح ومريضه، على مدى نجاح المعالجة الطبية الجراحية المُقدمة للمريض. وكان الباحثون من المركز الطبي لجامعة فانديربيلت بناشفيل في تينيسي وقسم الجراحة بجامعة كاليفورنيا وقسم الجراحة بجامعة كارولينا الشمالية وقسم الجراحة في كلية بيريلمان بجامعة بنسيلفانيا وقسم الجراحة في جامعة ويكفوريست بونستن - سالم وقسم الجراحة في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، قد نشروا نتائج دراستهم هذا الأمر في عدد 15 فبراير (شباط) لمجلة جاما الجراحة JAMA Surgery، وذلك بعنوان «استخدام ملاحظات المرضى غير المرغوب في حصولها، للتعرف على الجراحين الذين لديهم خطورة مرتفعة في حصول مضاعفات ما بعد العملية الجراحية».
وقال الباحثون في مقدمة دراستهم إن الهدف من إجرائها هو فحص ما إذا كان الجراحون الذين سجل عليهم عدد أعلى من ملاحظات المرضى، هم أكثر عُرضة لحصول مضاعفات ما بعد الجراحة في العمليات التي يُجرونها مقارنة بنتائج عمل الجراحين الأدنى في إبداء المرضى ملاحظات حولهم، وهو ما يفيد لجهة معرفة هل السلوكيات التي تثير استياء المريض تُسهم أيضًا في نشأة النتائج السلبية للعملية الجراحية؟
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن الأطباء الجراحين الذين سجل عليهم أعلى معدل في الشكاوى من المرضى حول تعاملهم الشخصي وسلوكياتهم هم أعلى عُرضة للتسبب في حصول أخطاء أثناء عملهم في غرف العمليات بما يرفع من حصول مضاعفات ما بعد العملية الجراحية.
وتعيد هذه النتائج مزيدًا من البريق لأبجديات عمل الطبيب وهو أنه يُقدم خدمة إنسانية بالدرجة الأولى لتخفيف آلام المرضى ومعالجة أمراضهم. وأولى مظاهر العمل الإنساني هو الرفق والذوق في التعامل عبر تحمل المريض في كل الأوقات خلال مراحل المعالجة، لأن المريض هو المتألم وهو الذي يشعر بالإعاقة المرضية وهو الذي يعاني من هواجس الخوف على مستقبله، وفي الوقت نفسه يجد الأمل أمامه متمثلاً في الطبيب، ولذا يتوقع منه الكثير.
وأول ما يتوقعه المريض من طبيبه الرفق والذوق في التعامل بما يقلص إلى حد كبير من إبداء المرضى لأي ملاحظات سلبية على تعامل الطبيب. ومن أجل هذا أفاد الباحثون في دراستهم تحت عنوان «المعنى من الدراسة» أن من أهم نتائج ملاحظة هذه العلاقة إدراك أن جهود تعزيز ضمان سلامة المرضى وتقليل شكاوى المرضى يجدر أن تستمر في التركيز على ضرورة رفع قدرة الطبيب على التواصل باحترام وبشكل فعال مع المرضى ومع زملائه المهنيين الطبيين.
وكان الباحثون قد راجعوا في دراستهم بيانات العمليات الجراحية التي تم إجراؤها في سبعة من المراكز الجراحية الأكاديمية المشاركة في «البرنامج القومي الأميركي لتحسين جودة الجراحة» خلال الفترة ما بين أول يناير (كانون الثاني) 2011 وأخر ديسمبر (كانون الأول) 2013. وراجعوا أيضًا عدد ملاحظات المرضى على الجراحين لتلك العمليات الجراحية، وكذلك المضاعفات التي حصلت خلال فترة الثلاثين يومًا التالية لعمليتهم الجراحية، مثل التهاب الجرح أو التهاب الرئة أو ضعف عمل الكلى أو مشاكل في القلب أو تجلط الدم في الأوردة أو التهابات البول وغيره.
ووفق ما أفاد به الدكتور جيرالد هيكسون، الباحث المشارك في الدراسة، فإن التكلفة المادية لمعالجة مضاعفات العمليات الجراحية بالولايات المتحدة تبلغ حاليًا أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويًا. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن مضاعفات ما بعد العملية الجراحية لدى الجراحين من فئة الأعلى في شكاوى للمرضى عليهم هي أعلى بنسبة 14 في المائة مقارنة بالجراحين الأدنى في شكاوى المرضى عليهم. وهو ما علق عليه الدكتور هيكسون بأن من بين نحو 27 مليون عملية جراحية تتم سنويًا بالولايات المتحدة فإن هذا يعني أن 350 ألف حالة لمضاعفات العمليات الجراحية.
والواقع أن الرفق والصبر في التعامل مع المرضى وذويهم من أساسيات نجاح نتائج تقديم الخدمة العلاجية الطبية للمرضى، وموروثات الحكمة لا تزال تُذكّرنا بأن «الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شأنه».
وتذكر المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة أن نوعية التواصل الجيد فيما بين المريض والطبيب هي العنصر الأهم على الإطلاق في تلقي المريض للعناية الطبية الجيدة وفي نجاح الطبيب لتقديم خدمة مفيدة للمريض. وتضيف أن أساس التواصل الجيد فيما بين الطبيب والمريض هو التحضير للقاء بينهما. وتحضير المريض للقاء الطبيب يشمل وضع قائمة بالمشاكل الصحية التي لديه والأعراض التي يشكو منها، وأن يستفيد من الوقت المخصص للقاء بينهما بتركيز الحديث عن حالته الصحية، وأن يحرص المريض على فهم ما يقوله له الطبيب عن تشخيص إصابته المرضية وكيفية معالجتها، ولو كان لديه أي مشاكل في فهم ذلك عليه أن يسأل الطبيب للحصول على معلومات مفهومة بلغة بسيطة.
وتذكر رابطة القلب الأميركية أن الكثير يُمكن تحقيقه بتحسين العلاقة فيما بين الطبيب وذوي المريض من أجل تقديم رعاية طبية أفضل للمريض وتخفيف درجة المعاناة على ذوي المريض الذين يتولون العناية به. وذكرت بعض العناصر لتقوية هذه العلاقة، منها مساعدة الطبيب في إفهام المريض حالته الصحية ومتطلبات معالجته، وكتابة النقاط التي يذكرها الطبيب حول ذلك، وانتداب أحد أفراد الأسرة للتواصل مع الطبيب حفاظًا على وقت الطبيب وإزالة لأي سوء فهم قد ينشأ من تعدد أفراد الأسرة المتحدثين مع الطبيب نفسه، وإجراء المحادثة مع الطبيب في أجواء ملائمة وليس في ممرات الأجنحة أو غرف انتظار المرضى، وتفهم حدود قدرة الطبيب للإجابة عن بعض الأسئلة وخاصة تلك التي تبدأ بكلمة لماذا، والفصل بين الشعور بالغضب والإحباط نتيجة عدم القدرة على مساعدة المريض العزيز عليهم وبين المشاعر نحو الطبيب الذي يُحاول تقديم الرعاية الطبية له.