آن رافيل
TT

ضبط أداء اللجنة الوطنية للانتخابات الأميركية

منذ ثلاثة أعوام تقريبًا وأثناء عملي نائبة لرئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، كتبت في هذه الصحيفة (نيويورك تايمز)، أن الوكالة التي أشارك في إدارتها تعاني من الإخفاق فيما يخص فرض القوانين المنظمة لتمويل الحملات. وقد أحبطت الجهود التي بذلتها بالتعاون مع باقي أعضاء اللجنة للاضطلاع بالمهمة الموكلة إلينا، ما كشف أمامي حقيقة مؤسفة أن اللجنة الوطنية للانتخابات تخون الشعب الأميركي وتهدد ديمقراطيتنا.
ويؤلمني القول إن الوكالة لا تزال تعاني من اختلال وظيفي أكثر من أي وقت مضى، في وقت أتهيأ فيه الآن للرحيل عنها بحلول نهاية الشهر الحالي بحلول نهاية فترة عملي. والمؤكد أن هذا الوضع مقلق على نحو بالغ بالنظر إلى أن مهمة اللجنة الوطنية للانتخابات تتمثل في ضمان نزاهة الانتخابات. وتتمثل واحدة من المسؤوليات الجوهرية الموكلة إليها في ضمان الكشف عن جميع الأموال الموجهة إلى الحملات السياسية. ومثلما قال القاضي لويس برانديس، فإن ضوء الشمس «أفضل المطهرات». في الواقع، هذه العبارة تزين واجهة مقر اللجنة الوطنية للانتخابات.
إلا أنه للأسف الشديد، تتعمد باستمرار كتلة مسيطرة مؤلفة من ثلاثة أعضاء في اللجنة ممن يناهضون آيديولوجيًا الهدف الذي من أجله تأسست اللجنة، تجاهل الانتهاكات التي تحدث أو تخفف بصورة هائلة العقوبات الصادرة. وكان من شأن حالة الشلل التي أصابت عمل اللجنة السماح بتلويث أكثر من 800 مليون دولار، فيما يطلق عليه «الأموال السوداء»، انتخاباتنا منذ صدور حكم المحكمة العليا بالسماح للمؤسسات والنقابات بإنفاق مبالغ لا حدود لها من المال، لضمان انتخاب أو هزيمة مرشحين بأعينهم.
ووجدت هذه الكتلة الجمهورية عونًا لها في الهيكل الخاص باللجنة، ذلك أن القانون ينص على أنه لا يجوز انتماء أكثر من ثلاثة أعضاء باللجنة إلى حزب واحد، وأنه تتحتم موافقة أربعة أعضاء من اللجنة لفتح تحقيق بخصوص قضية ما.
في الواقع، وضعت هذه الشروط لخدمة أهداف معينة. على سبيل المثال، حال هؤلاء الأعضاء الثلاثة دون حتى فتح اللجنة تحقيق بشأن مزاعم حول تفشي مظاهر القمع السياسي داخل أماكن العمل. كما أعاق الأعضاء الثلاثة أنفسهم اتخاذ إجراءات لفرض القانون بحق المتبرعين الذين اعترفوا بإنشاء شركات صورية فقط من أجل ضخ أموال مجهولة المصدر في حملات انتخابية.
وحتى عندما ظهر رئيس «كارولينا رايزينغ»، واحدة من المنظمات غير الهادفة للربح والمفترض أنها تعمل لضمان «الرفاهية الاجتماعية»، على شاشات التلفزيون ليتباهى بإنفاق منظمته ملايين الدولارات على دعم مرشح فاز بالفعل بعضوية مجلس الشيوخ، ما شكل 97 في المائة من إجمالي إنفاق المنظمة ذلك العام، تصدى الأعضاء الثلاثة لأي محاولة للتحقيق فيما إذا كان ذلك يشكل انتهاكًا للقانون الذي ينص صراحة على أن اللجان السياسية يجب أن تكون مسجلة وتكشف عن إنفاقها السياسي.
وعليه، فإن هذا يترك أمامنا وكالة مكلفة بضمان الشفافية والكشف عن الأموال الموجهة للحملات الانتخابية، في الوقت الذي تعمل فيه هذه الوكالة في حقيقة الأمر على إخفاء مثل هذه المعلومات بعيدًا عن أعين الرأي العام.
من جانبه، طرح روبرت كيلنر، المحامي البارز المعني بتمويلات الحملات الانتخابية، وصفًا موجزًا للوضع الراهن خلال تصريح له العام الماضي لصحيفة «واشنطن بوست» بقوله «إننا نعيش في بيئة تفتقر فعليًا إلى أي فرض للقوانين المنظمة لتمويل الحملات الانتخابية».
من جانبه، يبقى ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ الذي تباهى من قبل بمعارضته قوانين تنظيم تمويل الحملات الانتخابية، عينيه مسلطة على اللجنة، خصوصا الأعضاء الذين ينتظر منهم تنفيذ ما يرغبه. من بين هؤلاء لي غودمان الذي قال عام 2015: «لقد وضع الكونغرس هذه اللجنة عند طريق مسدود. وتعمل هذه الوكالة على النحو الذي يرغبه الكونغرس».
ومع ذلك، يكشف التاريخ التشريعي أن هذا الطريق المسدود لم يكن الهدف الذي يسعى وراءه الكونغرس، ففي أعقاب تكشف فضيحة «ووترغيت»، عندما ثار غضب الأميركيين بسبب الانتهاكات المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية التي تورطت بها إدارة نيكسون، أنشأ الكونغرس اللجنة الوطنية للانتخابات، بهدف فرض القانون بعدالة وإنصاف. وجرى النظر إلى التوازن بين أعضاء الأحزاب السياسية داخل اللجنة باعتباره ميزة ترمي إلى الحيلولة دون التطبيق المتحيز للقانون. وكان من المتوقع من أعضاء اللجنة الاضطلاع بالمسؤولية الموكلة إليهم بنية حسنة. إلا أن السنوات الأخيرة كشفت لنا جميعًا أن تلك كانت محض أمنيات.
في عام 2015، توصل استطلاع أجرته «بلومبيرغ» إلى أن 87 في المائة من الأميركيين على الأقل يفضلون تغيير قوانين التمويل، بحيث لا يصبح بمقدور الأثرياء ممارسة نفوذ سياسي.
وعندما يشعر المواطنون أن صوتهم لم تعد له أهمية، وأن أصواتهم الانتخابية لا تشكل فارقًا حقيقيًا، وأنهم يقفون بلا حول ولا قوة، فإن هذا ينذر بأن نظامنا الديمقراطي يتهدده الخطر. وعليه، فإنه يتحتم علينا تشجيع الجهود على المستويين الوطني والمحلي لفرض قوانين تمويل الحملات الانتخابية وإقرار إصلاحات أخرى لإتاحة الفرصة لمشاركة أكبر في الحياة السياسية.
ولا تزال ثمة فرص سانحة لتسوية مشكلة الطريق المسدود الذي تقف عنده اللجنة الوطنية للانتخابات. يذكر أن فترة عمل جميع زملائي الخمسة أعضاء اللجنة انتهت، ويعملون الآن في إطار ما يعرف بالفترة الانتقالية. وعليه، فإن الرئيس ترمب في وضع يمكنه من صياغة تشكيل جديد للجنة بأعضاء يؤمنون برسالة اللجنة ومهمتها الرئيسة وقادرين على فرض القانون.
أيضًا، هناك دور للسلطة القضائية عليها الاضطلاع به، ذلك أنه حال وصول أعضاء اللجنة إلى طريق مسدود حيال فرض القانون بقضية ما، يحق للطرف المتظلم اللجوء للمراجعة القضائية. وللأسف، جرت العادة على تحويل المحاكم الأمر إلى الأعضاء الثلاثة الذين يرفضون دفع القضية قدمًا - باعتبارهم «الكتلة المسيطرة». في الواقع، مثل هذا التحويل غير مناسب ويقوض هدف الكونغرس في ضمان التطبيق المنصف للقانون. وينبغي للمحاكم أن تأخذ في اعتبارها آراء الأعضاء الراغبين في التعامل مع الانتهاك - وليس فقط آراء من يتعمدون باستمرار لإعاقة أي تحرك بهذا الاتجاه.
حينئذ فقط ستنعم بلادنا بالحماية من حالة العجز الفيدرالي الكارثية التي نعايشها في الوقت الراهن.

* خدمة «نيويورك تايمز»