د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

أميركا بين النهجين «الناعم» و«الخشن»

نهج القوة الذكية (النهج الناعم) في السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق بارك أوباما لم يؤتِ أكله وثماره لمصالح أميركا كدولة عظمى، ولا لمصالح أصدقائها في الشرق الأوسط، وما زالت كثير من دول العالم تعتبر أسباب الإخفاق والخلل في السياسة الدولية تعود للسياسة الأميركية التي بدأت في عهد أوباما خاثرة وغير حازمة، وما تفاقُم الأوضاع وسخونتها في الشرق الأوسط إلا دليل ساطع، حيث ظهرت قوى ملأت الفراغ السياسي والعسكري، مثل روسيا وإيران، وتدخلهما في كثير من مناطق الصراعات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق الساخنة في العالم، وكانت هذه السياسة أهم الأسباب التي أدت إلى فشل الديمقراطيين في الوصول إلى السلطة.
بالمقابل كان عزف دونالد ترمب، الرئيس الحالي على وتر «المصالح العليا لأميركا»، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى نجاحه ووصوله للسلطة، ومن عموم خطاباته أثناء الحملة الانتخابية يُقرَأ ذلك واضحًا، حيث تنبأ بأن أميركا مقبلة على مرحلة جديدة فعلاً، ليس أميركا وحدها بل العالم كله، وسوف تنتهي مرحلة التوازن والهدوء التي خلقتها إدارة أوباما، لأن ترمب لا يرى فيها مرحلة تهدئة وتوازن واللجوء إلى (القيادة من الخلف) أو استخدام أسلوب (القوة الناعمة)، بل يراها ترمب دلائل واضحة على ضعف أميركا مقابل قوة المنافسين لها.
بيد أن السؤال يبقى: هل ينفذ دونالد ترمب ما وعد به من حزم وقوة، لا سيما فيما يتعلق بتهديداته لإيران و«حزب الله»؟! المؤشرات الأولية قد تدل على ذلك، حيث تم إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، وتم فرض بعض العقوبات على إيران، ولا يزال ترمب لم يحسم موقفه من الاتفاق النووي مع إيران، والحرب الكلامية بين ترمب وقادة إيران لا تزال في أشدها، رغم كل ذلك لا نستطيع القول إن الرياح بدأت تهب ضد ما لا تشتهيه السفن والبوارج الروسية والإيرانية في البحر المتوسط؛ فقد يخضع ترمب في النهاية للواقعية ويتبع سياسة سلفه!
ما يهمنا كعرب: ماذا عن انعكاس سياسة ترمب على دول الخليج العربي؟ أغلب دوله تنظر بتفاؤل إلى الإدارة الجديدة، حيث يبدو أنها أمام إدارة جادة تعمل على إعادة النظر في الاستراتيجية التي اتخذتها إدارة أوباما لمحاربة الإرهاب، والتي تهاونت مع الإرهاب الإيراني في سوريا والعراق، وتبدو دول الخليج أكثر دول الإقليم جدية في محاربة الإرهاب، وليس خافيًا أنها لم تكن مقتنعة بالتحالف الدولي القائم ولا استراتيجيته التي لم تحقق على مدى سنتين ماضيتين النتائج الفعلية على الأرض.
مهما كانت سياسة ترمب الخارجية فهي في جميع الأحوال لن تكون مثل سياسة سلفه؛ فإن أول القادة الذين اتصل بهم ترمب هاتفيًا عندما وصل إلى البيت الأبيض من دول الخليج، وهما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وهذه رسائل تبرهن على أن ترمب يعطي قضايا الخليج أهمية في أجندته الخارجية.
يدرك ترمب أن أميركا لها مصالح استراتيجية، سواء أكانت اقتصادية أو سياسية، خصوصًا مع دول الخليج العربي، وإن كانت هنالك اختلافات في التفاصيل الدقيقة، لذا لا يمكن لترمب أن يغير في هذه السياسة، خصوصًا أنه يلتقي مع دول الخليج العربي في محاربة الإرهاب الإيراني، وهو ما سيجعل انحسار أي دور لإيران في المنطقة من صالح دول الخليج.
لا نريد أن نستبق الأحداث، وذلك لأن أغلب رؤساء أميركا كانوا يقولون شيئًا ولكن على أرض الواقع لا يفعلون، خصوصًا تجاه قضايانا العربية، بيد أن الشيء الذي بات واضحًا أن سياسة ترمب الخارجية هي بداية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية، رغم أن أميركا تستند إلى ثوابت لا تتغير بتغير الرؤساء في استراتيجيتها العالمية، فإن الفارق بين رئيس وآخر هو العامل الشخصي، إذ إن ترمب بدا، منذ الحملة الانتخابية، ذا شخصية قوية وحازمة، وهذه الشخصية التي فيها نوع من الكاريزما هي التي جعلت الشعب الأميركي ينجذب إليها.
الخطوات التي أقدم عليها ترمب حتى الآن تُنبِئ بأن خريطة العلاقات الأميركية مع أغلب دول العالم أخذت في التغير في اتجاه معاكس لسياسة باراك أوباما، ويبدو أن تحالفات جديدة سوف تظهر في العالم، ولعل من أهم المفاجآت التي يمكن أن تحدث هي: ما مستقبل العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي، الحليف التقليدي لأميركا؟ وهل يكوِّن ترمب حلفًا مع بريطانيا، خصوصًا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؟ احتمالات كثيرة يُتَوَقّع أن تحدث، والأيام المقبلة سوف تكشف عن السياسة الأميركية الجديدة!