نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حل الدولتين بين التعثر والاستحالة

اعتبر الفلسطينيون أن أهم تطور حدث بشأن قضيتهم، هو إجماع العالم على مبدأ حل الدولتين، واعتبر العرب أنهم كانوا سباقين لعرض هذا الحل، أما الرباعية الدولية التي أنيط بها إيجاد حل للمعضلة الفلسطينية الإسرائيلية، فقد وضعت هذا المبدأ حجر أساس لمبادراتها، وأهمها خطة خريطة الطريق التي ماتت في أول الطريق.
كل من تعمق في تحليل هذا المبدأ، راودته شكوك أقرب إلى اليقين باستحالة تنفيذه، غير أن الميزة السياسية الأهم له، تجسدت في أن العالم وجد هدفًا يسعى إليه، ويملأ به فراغ غياب الصيغ العملية وانعدام التقدم نحو الحل.
لم يكن التعثر منذ البدايات بسبب التردد الإسرائيلي في التعاطي معه؛ فالإسرائيليون لا يقولون نعم قاطعة، ولا لا مستفزة، والصيغة التي اعتمدت، هي كلام عام قاله نتنياهو أيّد فيه العنوان، ونسف بسلوكه المضمون، كما لم يكن التعثر بسبب انعدام معادلة القوة التي يفترض أن تسند معادلة السياسية، فلا الوضع الفلسطيني يملك أوراق ضغط بمستوى تحريك العالم نحو الحل، ولا الإسرائيليون وجدوا حتى الآن صيغة مشتركة للتعاطي مع الشأن الفلسطيني، ولا ضابط الإيقاع الأميركي أدّى جهدا جديًا يتجاوز النصح والإرشاد، خارج إطار إدارة الأزمة، وإحراز تفاهمات تمنع الانفجار لا أكثر.
ومع أن كل ذلك يكفي ويزيد لتفسير سبب الفشل في هذا الأمر، إلا أن كلمة السر تكمن في عدم جاهزية أي طرف للدخول في مفاوضات عنوانها وموضوعها «حل الدولتين».
الأطراف الثلاثة التي يفترض أنها صاحبة الحل والعقد، لا يملك أي منها تصورا عمليا لكيفية تحقيق هذا الحل، الفلسطينيون يريدون من العالم أن ينجز لهم دولة كاملة لمجرد أنهم أصحاب حق في ذلك، إضافة إلى أزماتهم الداخلية التي تستنزف معظم طاقتهم، فضلا عن أنهم يرسفون في أغلال أوسلو وقيودها، ناهيك عن الانقسام الأفقي والعمودي الذي منح إسرائيل ميزة الادعاء بأن لا شريك تتحدث إليه، وقد وجدت في العالم كثيرين يتفهمون ذلك، أما العراب الأميركي فوضعه الداخلي كان في عهد أوباما تحديدا، عائقا قويا لبذل جهد منهجي جدي، يتجاوز إدارة الأزمات وملء الفراغ، فالجمهوريون في الكونغرس، تجاوزوا التأييد النمطي لإسرائيل، ليتبنوا سياسات وطروحات اليمين دون تحفظ، وتطور كهذا جعل البيت الأبيض بطة عرجاء في الشأن الشرق أوسطي، وتحديدا ما يتصل منه بإسرائيل.
أما حكومة اليمين الذي يسيل لعابها منذ اليوم التالي لهزيمة حزيران 1967 على ضم الضفة مثل القدس والجولان، ومنعت نفسها عن ذلك علنا، دون أن تتوقف عن العمل على الأرض لهذه الغاية، فقد قدمت فهما لحل الدولتين لا يملك أكثر المتساهلين الفلسطينيين قبوله أو حتى النقاش فيه، إنه الاحتلال الدائم استيطانيا وأمنيا وحتى إداريا، مع منح الفلسطينيين حق وصف ما يتبقى لهم بالدولة أو حتى الإمبراطورية إذا أحبوا.
كان شكل حل الدولتين قبل عهد ترمب يصدق عليه ظاهريا الوصف بأنه متعثر، ولكن ما تسرب عن الإدارة الجديدة وما أعلن أخيرًا بأنه ليس الحل الوحيد الذي يناقش، نقل الحل برمته من حال التعثر إلى ربما الاستحالة.
لم أنتظر ما يُعلن عن لقاء ترمب نتنياهو فذلك لن يقدم الحقيقة كما هي، ولعل البيت الأبيض اكتشف بابًا مؤقتا وفاعلا للهرب حين وضع الكرة في ملعب الفلسطينيين والإسرائيليين، فما يتفق عليه الطرفان ستدعمه وتؤيده أميركا ولن تفرض حلا على أي طرف، وهذا بالضبط ما يريده الإسرائيليون وما يسعون إليه؛ فلسان حالهم في هذا الأمر يقول... قفوا أيها الأميركيون على الحياد، ونحن سنتكفل بالسكان الفلسطينيين حاضرا ومستقبلا. (لمح ترمب إلى استعداده خلال لقائه في واشنطن رئيس الوزراء الإسرائيلي لقبول أية اتفاقات يتوصل إليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي «حتى لو لم تتضمن حل الدولتين» - المحرر)
قد يستمر الحديث عن حل الدولتين، فدائما لا بد من شيء يجري الحديث عنه، أما حل يقوم على هذا الأساس فلا مجال لإنجازه، ولا قوة على وجه الأرض قادرة على فرضه، وحين يقتنع الفلسطينيون بذلك فعليهم البحث عن طريق آخر.