خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

في التصوير الأدبي

برز بعض الشعراء والأدباء في مقدرة رسم تصاوير لغوية أدبية عن بعض شخصياتهم. عرفنا منهم بصورة خاصة ابن الرومي في دنيا الشعر. طالما أبدع في إعطائنا صورًا كاريكاتيرية عن أشخاصه. وفي الشعر الإنجليزي برز بايرون في هذا الميدان. وفي عالم النثر قرأنا الكثير منه في روايات تشارلز ديكنز في الأدب الإنجليزي، وروايات بلزاك في الأدب الفرنسي. وفي مقالة لي ماضية، استشهدت بشيء من الروائي الإنجليزي أنطوني ترولوب. واقتبست شيئا من فكاهاته في روايته «الحارس».
وقد واصل هذا الكاتب موضوعها وحبكتها في رواية أخرى «أبراج بارتشستر». نشرها عام 1857. عالج في هذه الرواية النزاع الدائر للسيطرة على كنيسة بارتشستر. دار النزاع بين زوجة الأسقف السيدة برودي والقس المستر سلوب، الذي وصفه المؤلف بأوصاف غير مشرفة. ومضى فرسم هذه الصورة الكاريكاتيرية اللغوية له فقال:
المستر سلوب رجل طويل القامة وبنيته بنية متينة محكمة الصنع. قدماه ويداه كبيرة، كما كان الحال مع جميع أفراد أسرته. ولكنه يتميز عنهم بصدر واسع وكتفين عريضتين ضروريتين لحمل بقية وزنه الثقيل. يمكننا القول بصورة عامة إن جسمه جسم رصين. بيد أن سيماءه غير محببة للناظرين بصورة خاصة. شعره ثقيل وبلون شاحب ميت يميل إلى الحمرة. ويظهر دائمًا بشكل ثلاث كتل ملطخة ومستقيمة. كل كتلة منها ممشطة بدقة تستوجب الإعجاب. لكنها تماسكت معًا بفعل كمية كبيرة من دهن الشعر. وقد التصقت اثنتان منها التصاقًا شديدًا بجانبي الوجه، في حين امتدت الكتلة الثالثة بشكل عمودي فوقهما تمامًا.
«ليس للمستر سلوب أي شارب. وهو يحلق وجهه دائمًا حلاقة جيدة. أما وجهه فيكاد يكون بلون من نفس لون الشعر، وإن كان بحمرة أقوى. إنه في الواقع لا يختلف كثيرًا عن لحم البقر، ولكنه – يجب أن نعترف – من نوع رخيص. جبهته واسعة وعالية، ولكنها مربعة الشكل وثقيلة المظهر وتلمع بصورة غير مستحبة. له فم كبير رغم أن شفتيه ضيقتان، ولا يكاد الدم يجري في أي منهما. له عينان واسعتان وجاحظتان وبلون أسمر باهت. وإذا كانتا تبعثان في المشاهد أي شعور بأي شيء، فهو ليس الشعور بالثقة عند صاحبها.
«أنفه هو العضو الوحيد الذي يجمل وجهه. إنه شامخ إلى الأعلى ومستقيم وعظيم الهيئة والخلقة. ولو أنني كنت أفضل شخصيًا لو أنه كان من دون ذلك المظهر الإسفنجي المسامي، الذي يوحي للناظر كما لو أنه قد نحت نحتًا ماهرًا من قطعة فلين حمراء اللون.
«لم يكن بوسعي قط أن أمد يدي لمصافحة المستر سلوب؛ فقد كان هناك عرق بارد لزج ينضح دائمًا من بشرته. وكانت قطرات صغيرة منه تظهر للعيان بشكل دائم جاثمة فوق حاجبيه. ولهذا؛ كانت قبضة يده عند المصافحة الودية تثير التقزز في نفوس الناظرين».
وهذا كله في رأيي وصف أدبي رائع يثير في نفس القارئ، كما أثار في نفسي، انزعاجًا وكرهًا نحو الشخص. وهذا طبعًا من إبداعات الأديب المتمكن في التصوير الكاريكاتيري اللفظي.