زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الآثار عملي وهوايتي

من الجميل أن يكون هناك شيء تتقنه وترى أنه سبب استمرارك في الحياة، عملي في الآثار هو هوايتي في الحياة، والشيء الوحيد الذي أدعي أني أتقنه. وبينما كنت ألقي محاضرة في بيتسبرغ ببنسلفانيا سألني أحد الأطفال: لماذا تقوم بالحفر؟ وتعرض حياتك للخطر في الأنفاق المظلمة والآبار العميقة؟ ألا تخاف من الثعابين والحشرات السامة ولعنة الفراعنة؟
ولم أجب الفتى على الفور، ولكن أخذت أفكر للحظة ثم قلت له: إنني أعشق الإثارة وراء اكتشاف كل ما هو غير معروف، وإن بريق الماضي الذي يلمع في الظلام يجعل كل الصعاب هينة.
وخلال عملي أشعر أنني على اتصال دائم مع أجدادي قدماء المصريين، هؤلاء الرجال والنساء الذين عاشوا في سلام وشيدوا أعظم حضارة في تاريخ العالم القديم، وهذا الاتصال بالماضي دائمًا ما أشعر به عندما ألمس أي قطعة أثرية وأشعر أنني أول من يلمسها منذ آلاف السنين، فدائمًا ما يعطيني هذا إحساسًا بالرهبة الحقيقية.
وبعد عملي لسنوات طويلة في مجال الآثار أقول إن الأثري يمكنه إعادة الماضي للحياة؛ وعلينا أن نقاوم الشعور بالخوف من المجهول لأن الكشف عن آثار الفراعنة يعرفنا من هم أجدادنا القدماء وأين وكيف عاشوا؟ فقد شيد المصريون القدماء حضارة عظيمة تميزت بالجمال والاستقرار والسلام، وبفهمنا لنجاحهم أو فشلهم يمكننا أن نجعل حياتنا أفضل.
أعتبر نفسي من أكثر الأشخاص توفيقًا في العالم، فالآثار ليست فقط هوايتي ولكنها أيضًا عملي الوحيد الذي أتقنه. ولقد تدرجت في عملي من مفتش آثار إلى كبير مفتشي الآثار ثم مدير آثار الهرم فمدير عام آثار الجيزة وسقارة والواحات البحرية ثم رئيس إدارة مركزية ثم ارتقيت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار؛ وأخيرًا وزيرًا للآثار، ولقد قضيت وقتًا طويلاً في الحفر والكشف في كثير من المواقع الرائعة في مصر، وعلى سبيل المثال كنت المسؤول عن الحفائر في منطقة الجيزة ووادي المومياوات الذهبية بالواحات البحرية (في جنوب غربي مصر) وأيضًا في مواقع أخرى.
ليس هذا فقط، ولكن كانت لديّ كثير من المسؤوليات الأخرى مثل اتخاذ القرار في كثير من الموضوعات المهمة كالموافقة أو رفض إعطاء تصاريح العمل للحفر في المواقع الأثرية للأثريين من مصر أو من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى ذلك فكان عليّ مراقبة كل الآثار المصرية والتأكد من أنها في أمان من التلوث واللصوص وحتى السياح (الذي قد يسببون ضررًا للآثار إذا لم يكونوا على درجة من الحرص في التعامل مع الأثر).
أعطيت عمري كله للآثار؛ حتى في أوقات الفراغ أجد نفسي مشغولاً بالرد على مروجي الشائعات حول الحضارة المصرية القديمة، فمنهم من يقول إن قومًا غرباء أتوا من الفضاء أو رجال قارة أطلانطا المفقودة تحت الماء هم من قاموا ببناء الأهرامات، وآخرون يروجون قصصًا غريبة عن لعنة الفراعنة. ووجدت أن الطريقة المثلى للتعامل معهم هو إخبارهم بكل شيء عن التاريخ المصري القديم، وهذا أيضًا يعد جزءًا من وظيفتي كأثري مصري وأعتبره أفضل مهامي وهو الحديث بصدق عن التاريخ المصري القديم. وأرى أن القصص الحقيقية عن هؤلاء الناس الذين عاشوا وضحكوا واستمتعوا بالحياة كما نفعل نحن الآن، أكثر تشويقًا وإثارة من تلك الأكاذيب التي تثار عن المصريين القدماء.