أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

القضية الفلسطينية وتوجهات الرئيس الأميركي المقبل

ممثلو سبعين دولة ومنظمة شاركوا في مؤتمر باريس لإحياء حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تحرك استباقي قبل أيام قليلة من يوم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، أي بعد ثلاثة أيام. القضية الفلسطينية التي غيّبتها سحب الثورات التي اجتاحت المنطقة العربية منذ استهلال عام 2011، عادت تذكر بنفسها وسط قلق من توجهات الرئيس الأميركي الجديد الذي عرف عنه تأييده الصريح لإسرائيل، ومؤخرا نصّب محاميه الخاص ديفيد فريدمان، أحد أهم الداعمين الاقتصاديين لإسرائيل، سفيرا لدولته في تل أبيب.
قد يكون من المفيد الركون إلى المثل الأميركي الشهير: «الأشياء ليست كما تبدو» حتى تصبح الأمور أكثر وضوحا. الرئيس المتأهب لمغادرة البيت الأبيض باراك أوباما، أحجم قبل شهر عن معارضة قرار مجلس الأمن الذي يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واعتبره رئيس الوزراء نتنياهو تصرفا عدائيا من شخص أوباما. والحقيقة التي يجب أن نتذكرها ونحن نفتح صفحة جديدة مع الدولة العظمى أن عملية السلام في عهد أوباما دخلت في غيبوبة منذ سبتمبر (أيلول) 2010، بعد أن انفض اللقاء الخجول بين نتنياهو وعباس في واشنطن بحضور الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، رغم أن أوباما كان يملك نفوذه كرئيس جديد حمل وعودا وردية للفلسطينيين، وأغلبية ديمقراطية لمجلسي الكونغرس؛ النواب والشيوخ، لكن لم تستطع إدارته في الواقع أن تتقدم خطوة واحدة، ولو رمزية تجاه حل النزاع. ومع أن الامتناع عن استخدام الفيتو ضد إدانة الاستيطان عمل استثنائي كان المحفز على إقامة مؤتمر باريس الأخير، إلا أن أوباما عاد ليسترضي نتنياهو بتوقيعه على أكبر دعم اقتصادي في تاريخ إسرائيل منذ قيامها.
هناك متغيرات ذات أهمية يتوجب أخذها بالاعتبار، ليس على رأسها قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بل إن ترامب أحد الذين سيواجهون هذه المتغيرات، وسيجد نفسه مجبرا على التعامل معها. من ذلك أن حل الدولتين يلقى دعما من معظم دول العالم، ومن ضمنها دول أوروبية مؤثرة، ومؤتمر باريس وإن خرج بعبارات مكررة، إلا أنه أكد على أن الموقف الدولي يسير باتجاه إحياء المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع للوصول إلى حل الدولتين مع إدانة الاستيطان، وتجنب الاندفاع المثير تجاه القضايا ذات الحساسية المفرطة كمقترح نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، دلالة اعتراف ضمني بها عاصمة لدولة إسرائيل. مثل هذا المقترح الذي أثار الرأي العام العربي وأخافه من ترامب، عادة لا يخرج عن كونه حديث انتخابات ينقضي بانقضائها، ولكنه كان يستهدف أن يوغل بعيدا في إظهار دعمه لإسرائيل التي لا تزال تقاوم رفض العالم لبناء المستوطنات، وبالتالي لن تتحمل رد الفعل الذي لا يمكن التنبؤ به إن أقدمت على تغيير العاصمة. هذا أمر مستبعد.
أيضا من المتغيرات التي أحدثها عامل الزمن، وستؤثر على الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية أكثر من تأثير الضغوط السياسية والمفاوضات هو المشهد الديموغرافي، وسرعة النمو السكاني بين الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين، سواء كانوا فلسطينيي إسرائيل الذين يمثلون 1.5 إلى 8 من سكان إسرائيل البالغ عددهم 8 ملايين، أو الفلسطينيين في الضفة الذين يتوقع أن يصل تعدادهم إلى 3 ملايين بحلول 2020، قضية المستوطنات التي عرقلت، بكل أسف، المفاوضات لعشر سنوات، لم تكن رغم عدم قانونيتها، أمرا يستحق أن يتوقف من أجله الحوار، ومهما حاول بعض المتحمسين من القوميين العرب التبرير بأن الحكومة الإسرائيلية تبني المدن الصناعية للمستوطنين لخلق الوظائف، وتختار الأراضي ذات المواقع التاريخية والغنية بالمصادر الطبيعية لتحتلها، فإن الواقع يقول بأن المستوطنات مهددة تهديدا وجوديا إذا لم تقبل إسرائيل بالتسوية وحل الدولتين. حل الدولتين هو ما سيحقق الوجود الشرعي للإسرائيليين مهما تبدلت الظروف. الاستيطان وحده لن يحقق الأمن للمواطن الإسرائيلي لأنه سيظل تحت تهديد من ينام بينهم، أي أعداءه، وستبتلع الكثافة الفلسطينية المستوطنات بمن فيها، وتصبح مشكلة بلا حل لأي حكومة إسرائيلية، ولن يستطيع أي رئيس أميركي مهما تعاطف أو انحاز إلى أصدقائه الإسرائيليين أن يقدم حلولا مستحيلة، لكن بكل تأكيد يستطيع أي رئيس، ومنهم دونالد ترامب، أن يحيي عملية السلام ويؤسس لواقع مستقر، فهو يملك كل الأدوات؛ علاقة طيبة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية والأحزاب اليمينية، وأغلبية في الكونغرس، ودعما أوروبيا وعربيا، ومبادرة عربية جاهزة للاعتراف بإسرائيل مع العودة إلى حدود 67.
الاستعداد العربي والأوروبي لدعم حل الدولتين كبير وغير مسبوق، الكل يشعر أن حل النزاع تأخر لأسباب غير وجيهة، وأن كل الظروف مواتية للشروع في مفاوضات مباشرة جادة برعاية رجل قوي وجريء قد يفاجئ الجميع أنه رجل سلام رغم لغته التصادمية، مثلما فاجأنا أوباما بأنه عجز عن تحقيق السلام في المنطقة رغم جائزة نوبل.
ما يشعرني بالتفاؤل أن ترامب رجل ناجح جدا في حياته العملية، لديه تاريخ طويل من الإنجازات وقفزات كبيرة فوق العراقيل. والناجح لا يستسيغ الفشل ولا يقبله إلا مرغما خائر القوى. هذا ما يجعل العشرين من يناير يوما مرتقبا لبداية رحلة استكشاف لهذه الشخصية الجامحة.