سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

ترويض ترامب!

تتوالى الأشياء اللافتة على الشاطئ الأميركي من الأطلنطي منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسًا في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، ولا تعرف كمتابع لها على أي محمل تأخذها، ولا على أي موجة من موجات الاستقبال تتلقاها؟! وأخشى أن تكون عبارة (أشياء لافتة) غير مطابقة لواقع الحال، ولا معبّرة كما يجب عما هو حاصل، فالأشياء هناك تصل إلى أن تكون مدهشة، وقد ترقى إلى أن تكون مذهلة، وعلى مستويات ثلاثة!
مستوى الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، ومن بعده مستوى الرئيس المنتخب، ثم مستوى الشعب الأميركي الواقع بينهما!
على مستوى الشعب، حدث أن أعلنت إحدى شركات الطيران الأميركية أن طائرة من طائراتها كانت على وشك الإقلاع من مطار جون كيندي في نيويورك، وأنها في اللحظة الأخيرة قد أنزلت راكبًا كان على متنها، لأنه هدّد ابنة الرئيس المنتخب، التي كانت من بين الركاب، وصاح في وجهها قائلاً: أبوك سوف يدمر بلدنا! وحدث أن واحدة من أعضاء فرقة المرمونية الأميركية استقالت من الفرقة، وفضلت الاستقالة على أن تشارك في حفل تنصيب ترامب، بل قالت إنها لن تستطيع أن تتطلع إلى المرآة، إذا ما قبلت أن تكون من بين الذين يؤدون في حفل تنصيبه!
ومن قبل كان هناك ما يشبه الاعتذار الجماعي من مُطربي ومطربات أميركا، بل من مطربين ومطربات خارج الولايات المتحدة عن عدم الاشتراك في الحفل، وكانت المطربة بيونسيه، مثلاً، في مقدمة قائمة الاعتذارات، رغم أنها شاركت في حفل تنصيب أوباما في العشرين من يناير (كانون الثاني) 2008. وكانت تتمايل يومها طربًا، وبلغت حدة الاعتذار إلى حدّ أن مطربًا بريطانيًا قد صاح بأعلى صوت بأنه لن يكون جمهوريًا، أي ميالاً إلى حزب الرئيس المنتخب، ولو بعد مليون سنة!
هذا بعض من كل ما جرى، ولا يزال يجري على هذا المستوى الشعبي!
وعلى مستوى آخر كان ترامب يتلقى اتصالاً من رئيسة تايوان على فوزه، فيصطدم بواحد من ثوابت السياسة الخارجية الأميركية بامتداد عقود من الزمان، وهي سياسة الصين الواحدة، التي تظل تايوان جزءًا منها لا يتجزأ! كان هو يتلقى اتصال التهنئة، ولا يبالي، وكان في الوقت ذاته يسارع بتعيين واحد من أشد الأميركيين يمينية سفيرا له في تل أبيب، غير عابئ بشيء، ولا بأحد، وكان في الاتجاه ذاته يقول إنه سيعجل بنقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس! ثم كان يمتدح ذكاء الرئيس الروسي بوتين، من دون أن يلتفت إلى أن بوتين هذا هو خصم سياسي كبير، بل خصم أكبر لواشنطن، في الأول وفي الآخر!
وكان هذا أيضًا يمثل بعضًا من كل ما جرى، ولا يزال يجري، على مستوى رجل بينه وبين البيت الأبيض مرمى حجر!
وعلى المستوى الثالث كان أوباما يفاجئ ترامب، ويفاجئ العالم معه، فلا يجد أي حرج في أن تمتنع إدارته عن استخدام حق الفيتو، للمرة الأولى على مدى رئاسته، ضد السياسة الاستيطانية التي تمارسها إسرائيل في الأرض المحتلة، ثم كان يفاجئ ترامب، ويفاجئ العالم معه، فيقرر من دون مقدمات، تسليح المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات! وكان يرسل هدية العام الجديد إلى بوتين، فيعتبر 35 دبلوماسيا روسيًا (أشخاصًا غير مرغوب فيهم) لأنهم مارسوا قرصنة في الانتخابات الأميركية، وأن عليهم بالتالي أن يغادروا على الفور! وقد غادروا فعلاً، لأن اصطلاح (أشخاص غير مرغوب فيهم) يعني دبلوماسيا، أن عليهم أن يغادروا دون إبطاء!
ولا يزال الرئيس المنتهية ولايته يتوعد الرئيس الروسي، ولا يرى في طرد الدبلوماسيين الروس إجراء كافيًا، فيقول إن في الطريق إجراءات عقابية أخرى، ضد روسيا، رغم أن بينه وبين ترك منصبه أيامًا معدودة على أصابع اليدين بالكاد! وكأنه يريد بشكل أو بآخر، أن يفخخ الأرض من تحت أقدام الرئيس المقبل!
السؤال الحائر هو: هل سيستمر الأداء على المستويات الثلاثة بهذا القدر من الاندفاع؟! وإذا دام على هذا النحو، ما الآفاق التي يمكن أن يذهب بالولايات المتحدة إليها، ومن ورائها العالم بالضرورة؟!
ليس خافيًا على أحد بطبيعة الحال، أن أداء الرئيس المنتخب، منذ انتخابه، يظل في خانة الفعل، بمثل ما يظل أداء الرئيس المنتهية ولايته، ومن ورائه الأداء على المستوى الشعبي المشار إليه، في خانة رد الفعل!
فلو فاز مرشح آخر، بخلاف ترامب، عن الحزب الجمهوري نفسه، ما تصرف أوباما هكذا في أيامه الأخيرة، وما سمعنا عن قائمة الاعتذارات إياها، وما كان راكب الطائرة ثار في وجه ابنة الرئيس حين رآها بين الركاب!
ولا يمكن النظر إلى ردة الفعل على مستوييها، على أنها تلقائية، أو أنها عشوائية! إنها، خصوصًا على مستوى إدارة أوباما، تظل في حسابي، مدروسة، ومقصودة، وأمامها أهداف تذهب إليها!
إن ترامب كان يقول في أعقاب كل خطوة من تلك الخطوات، من جانب إدارة أوباما، ما معناه، إنه عندما يدخل مكتبه سوف يكون له تصرف آخر، وسوف يكون لكل حادث حديث، وهذا بالضبط ما قاله مثلاً، لإسرائيل، في يوم امتناع إدارة أوباما عن استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن! والمعنى أنه كان يدرك أن الهدف من وراء حكاية مجلس الأمن، وغير مجلس الأمن، هو وضع عقبات عن قصد في سبيله! وإذا شئنا الدقة قلنا إن الهدف هو ترويض الرجل، بحيث يدخل مكتبه، وهو جاهز للتصرف كرجل مسؤول، لا كترامب الذي عرفناه ونعرفه! فهل سينجح الترويض معه؟! هذا ما سوف نراه.