مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

محامي (المعترّين)

الله لا يطبب أي موظف مسكين، في جبروت وظلم وذكاء رئيس وصاحب مؤسسة أو شركة (نتن) - والنتانة في عرفي هي مزيج من البخل والتسلط معًا - وأعرف على هذه الشاكلة الكثير من (النتنين)، كما أعرف أكثر منهم من العمال والموظفين المساكين، الذين كثيرًا ما يتنازلون عن كراماتهم وحقوقهم من أجل (لقمة العيش).
وإليكم هذه الحادثة التي قرأت عنها وأجزم أنها خيالية، ولكنها على الأقل تنم عن (النتانة) عندما تلبس رداء المنطق الذي لا يخر منه الماء، فيقال:
إن موظفًا طلب من مديره أن يمنحه إجازة يوم واحد، فأجابه: أنت تريد إجازة يوم واحد؟!، قال الموظف: نعم، فقط يوم!، رد عليه المدير قائلاً: هل فكرت جيدًا قبل أن تطلب هذه الإجازة؟!، ألا تعلم أن السنة فيها (365) يومًا؟!، وهذه تعادل 52 أسبوعًا؟ وخلال هذه الأسابيع أنت تعطل يومين كل أسبوع؟ أي يبقى من السنة (261) يومًا!، ولا تنسَ أنك تقضي 16 ساعة من اليوم في البيت، وهذه تعادل 174 يومًا، فيبقى للعمل 87 يومًا فقط.
ثم إنك تقضي نصف ساعة يوميًا في الاستراحة لتشرب الشاي والقهوة وقراءة الصحف، وهذه تعادل 23 يومًا في السنة، أي يبقى للعمل 64 يومًا فقط.
وكذلك فإنك تأخذ ساعة يوميًا للصلاة والغداء، وهذه تعادل 46 يومًا، وبالتالي يبقى للعمل 18 يومًا.
ومن عاداتك أن تأخذ إجازة مرضية لمدة يومين كل سنة، فيبقى للعمل 16 يومًا.
وفي العيد الوطني نحن نعطل، وهذا يخفض عدد أيام العمل إلى 15 يومًا، وشركتنا تعطيك إجازة سخية مدتها 14 يومًا في السنة، فلا يبقى للعمل سوى يوم واحد!!!
«ألاّ أكون غبيًا إذا أعطيتك هذا اليوم إجازة؟!».
طبعًا (نخ) الموظف وهو صاغر، ورضي من الغنيمة بالإياب، فأين هو بمقارعة ذلك المدير المتسلح بالسلطة والمنطق، ولو أنني كنت في مكان ذلك الموظف لشكرت المدير على ذكائه، بل وفوق ذلك لقلت له: أرجوك هات خشمك الله يرضى عليك لكي أقبله، فالعين يا سيدي ما تعلى على الحاجب.
أعترف أن موقفي هذا هو موقف الجبناء، ولكن للأسف هذا هو حال المستخدمين في كل زمان ومكان، لهذا تدخلت منظمة (حقوق الإنسان) لإنصافهم، وتشكلت منظمات وأحزاب العمال في جميع أرجاء العالم، وحددوا للعامل أو المستخدم ساعات عمل وإجازات مرض أو حتى ولادة للعاملات، ومن حقهم الترفيه مثلهم مثل سائر البشر. واليوم ولأول مرة أصبح محاميًا لا للشياطين ولا للملائكة، ولكن (للمعترّين)، فهل يحق لي أن أطالب بجائزة (نوبل) ولا فخر؟!