ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

للشرق الأوسط بعض الأسئلة لدونالد ترامب

ماذا يعني انتخاب دونالد ترامب بالنسبة للشرق الأوسط؟ تجمع عدد من كبار وزراء الخارجية هنا نهاية الأسبوع الماضي لاستكشاف تداعيات الانتخابات الرئاسية في أكثر مناطق العالم اشتعالاً.
ويستضيف وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد، التجمع السنوي المعروف بمنتدى «صير بني ياس». ولأنني لا أستطيع نسب التعليقات لأصحابها، فلن أشير للمشاركين بالاسم، لكن على أي حال فقد ضم المنتدى ممثلين عن جميع الدول العربية تقريبًا، وعن الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والصين، والأمم المتحدة.
التغيير في حدّ ذاته كان مرحبًا به في الخليج العربي الذي امتعض الكثير من أوجه سياسات أوباما المتعلقة بالشرق الأوسط، لكن سحابة من الغموض غلفت مواقف ترامب للدرجة التي جعلت حتى مؤيديه يقولون إن «لا أحد يعلم أين يقف ترامب».
وبالنظر إلى السجل الخالي للرئيس المنتخب، فقد ركز الكثير من المتحدثين على سماته الشخصية الظاهرة. وجادل أحدهم أنه من الواضح أن ترامب رجل أجوف؛ ولذلك من المجدي التملق له كما فعل الكثير من قادة دول العالم خلال تواصلهم معه بعد 8 نوفمبر (تشرين الثاني). وقال آخر إن ترامب رجل سريع الاستثارة، ولذلك لا تتجاهله، فيما قال ثالث إنه جعل نفسه «صانعًا للصفقات»، ولذلك على الشرق أوسطيين البحث عن الصفقات التي تخدم مصالح المنطقة.
ولذلك كان مفاجئًا أن القذائف الكلامية التي ألقى بها ترامب في حديثه الذي هاجم فيه التجارة العالمية لم تثر إلا تعليقات بسيطة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الإمارات باتت مثالاً للعولمة، وكذلك لم تواجه تعليقاته ضد المسلمين بأي رد فعل غاضب.
قضيتان تواجهان ترامب اجتذبتا القدر الأكبر من الاهتمام خلال النقاشات التي دارت بـ«صير بني ياس». الاتفاق النووي الإيراني كان اللغز الأول، فخلال الحملة الانتخابية أوحى ترامب أنه إما سيلغي الاتفاق أو أنه سيعيد التفاوض بشأنه، لكن كان هناك شبه إجماع على أن على ترامب قبول الاتفاق باعتباره أمرًا واقعًا، والتركيز على تقليم أظافر إيران للحد من سلوكها العدواني في المنطقة. وشملت حالة الإجماع مسؤولين كانوا حتى وقت قريب من أشد المنتقدين لبنود الاتفاق.
فبحسب مسؤول خليجي رفيع: «لن يمزق تلك الاتفاقية سوى شخص يريد أن يدفع بنا إلى المجهول»، فيما قال آخر: «في الحقيقة، لا أحد ضد الاتفاق»، رغم أنه انتقد الطريقة التي جرت بها المفاوضات.
عبر الكثيرون في تلك المجموعة عن أملهم في أن يكون ترامب أكثر صلابة في مواجهة الاستفزازات الإيرانية. فخلال حملته الانتخابية، قال ترامب إنه في حال تحرشت الزوارق الحربية الإيرانية ببوارج الأسطول الأميركي في مياه الخليج العربي، فسوف ينسفهم في عرض البحر. فذلك هو الأسلوب الذي يود العرب في الخليج تطبيقه في مواجهة إيران.
كانت رغبة ترامب في التحالف مع روسيا في سوريا القضية الثانية المهيمنة على النقاشات، حيث يساند الكثير من المسؤولين العرب هنا المعارضة السورية في مواجهة الرئيس بشار الأسد، ولذلك قد تعتقد أن أي تلميح إلى أن ترامب قد يدخل في شراكة مع موسكو ستكون بمثابة اللعنة. لكن في الشرق الأوسط فإن الدعم السياسي يتجه دومًا للفائز، وروسيا تبدو اللاعب الأقوى في سوريا حاليًا.
تحدث ممثلو المعارضة السورية بشكل مثير للمشاعر عن الخسائر البشرية الناتجة عن التدخل الروسي، مؤكدين أن سقوط حلب سيعني حربًا دائمة، فيما رد ممثلو الجانب الروسي بتعليقات كانت الأكثر استفزازًا، حيث قال أحدهم إن «سياسات تدخل هيلاري كلينتون كان من الممكن أن تدفع بالولايات المتحدة إلى الهاوية وإلى الصدام في سوريا، لكن في ظل وجود ترامب فعلى الأقل سنأخذ خطوة إلى الوراء».
فهل يمكن لحوار أميركي روسي، في وجود إيران وتركيا والسعودية وغيرها من اللاعبين الشرق أوسطيين، أن يؤدي إلى استقرار المنطقة ويضع حدًا لمعاركها الطائفية القاتلة؟ كان هذا السؤال تحديدًا ما أثاره الكثير من المتحدثين.
اقترح ممثلو دول الخليج تلك المجموعة من الدول، بالإضافة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن والقوى الإقليمية. وأشار خبير أميركي إلى مؤتمر مدريد لحفظ السلام عام 1991 الذي انعقد بعد نهاية الحرب الباردة، في حين أشار روسي إلى المؤتمر الذي عقد عام 1815 بفيينا، والذي كان سببًا في إحلال السلام في أوروبا. فكما نجحت شخصية دون كارلوين في لم شمل «العائلات الخمسة» سويًا بفيلم «غود فاذر»، أو الأب الروحي، فربما أيضًا ينجح ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جمع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية. بيد أن الخبراء يحذرون من «يالطا 2»، أو من محاولة روسية أميركية ثانية لخلق «مراكز قوى» تعمل على اقتسام المنطقة.
لم ترد إجابات هنا بشأن طبيعة الحياة في العالم الجديد في ظل وجود دونالد ترامب، فالأسئلة ولا شيء سوى الأسئلة الفضولية هي كل ما تردد هنا.
* خدمة «واشنطن بوست»