فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

انتخابات ملطّخة بـ«الطين»

على غلاف مجلة «دير شبيغل» رسمت صورة هيلاري وترامب وهما ملطّخان بالطين. مستوى التفاضح بين المرشحين بلغ ذروته، حتى باتت الانتخابات بكل تفاصيلها موضع تسليةٍ للمجتمعات المهتمّة بمصائر الرئاسة والمردود الذي سيأتيها من خلال وصول أحدهما.
بالرجوع إلى المرحلة الأوبامية بسنواتها العجاف، نرى هيلاري بوصفها جزءًا من تلك الحالة، لا بأس لديها نبرة أكثر تحمسًا لاستخدام القوّة «المحدودة» في مناطق الصراع ضمن ظروف مضت، وصحيح أنها خاضت معارك إدارية تقنية مع أوباما بما يتعلق بوزارة الخارجية كما يذكر شهودٌ على ذلك مثل الراحل ريتشارد هولبروك، لكنها ميّالةٌ نحو الانعزال عن مشكلات الشرق الأوسط بشكلٍ عام حتى بالأزمة السورية، وكتبت مقالةً في «فورين بوليسي» تعتبر آسيا هي المنطقة الأهم بالنسبة للولايات المتحدة وليست الشرق الأوسط.
في ظلّ تمدد روسيا التاريخي في الشرق الأوسط، تفقد أميركا مصالح قوميّة لها، ومناطق نفوذ تاريخية، وذلك بسبب تضاؤل مستوى استخدام القوّة السياسية والعسكرية، سياسة أوباما الانعزالية قد تمتد بعهد هيلاري، ذلك أن المنطقة بحاجةٍ إلى وجود أميركي يساعد على محاربة الإرهاب، ويضعف التمدد الإيراني، ويبقي على تحالفاته مع دول المنطقة.
صانع سياسات مخضرم مثل هنري كسينجر يعتبر أن «الاتجاهات المتضاربة جاءت بسبب انسحاب أميركا من المنطقة، مما أتاح لروسيا المشاركة في العمليات العسكرية العميقة في الشرق الأوسط، وانتشرت بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الروسي! ويبدو أن موسكو تشعر بالقلق من أن يعيد انهيار نظام الأسد الفوضى كما حدث في ليبيا، ويجلب (داعش) إلى السلطة في دمشق، ويؤدي إلى تحويل سوريا بأسرها إلى ملاذ للعمليات الإرهابية التي قد تمتد لتصل إلى المناطق الإسلامية داخل الحدود الجنوبية لروسيا في القوقاز ومناطق أخرى، كما أن سياسة روسيا تخدم تدخل إيران في الحفاظ على العنصر الشيعي في سوريا».
أمير طاهري يعلم المعضلة التي تواجه الشرق الأوسط تجاه الرئيس القادم، بدأ مقالته المهمّة بالسؤال المتداول: هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب، أيهما يكون الأفضل لصالح الشرق الأوسط؟! يخلص إلى نتيجةٍ حول ترامب فـ«على الرغم من الهراء الكثير الذي قاله حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإنه قد أصرّ كثيرًا على نقطة شديدة الأهمية: أن السياسة الخارجية الأميركية الحالية غير مجدية، وهذا، بدوره قد يقنع الرجل بالبحث عن شيء مختلف، أو قد يخلق فرصة جديدة لإصلاح بعض من الأضرار التي تسبب بها أوباما وسياساته حيال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أما هيلاري كلينتون، فعلى النقيض من ذلك، فلديها بالفعل سجلها المعروف. فلقد دعمت تنظيم الإخوان في مصر قبل أن يتخذ أوباما قراره بالتخلي عنهم. ولقد كانت من المناصرين المشاركين في صياغة سياسة أوباما الكارثية في ليبيا».
هيلاري قد تشكلّ امتدادًا لسنوات تسليم المنطقة لإيران، وتشجيع الإخوان المسلمين كما حصل من قبل، ومن ثم تشجيع الدخول بصراعاتٍ عبثيّة بين إيران ودول الاعتدال بدلاً من الوقوف بوجه السياسة الإيرانية الكارثية. ترامب لديه كوارثه الكبرى، لكن قد يكون أكثر قدرةً على تصحيح الثغرة الأخطر في السنوات الماضية، وهي الاضطراب في السياسة الخارجية، وفلتان مناطق النفوذ لدى الولايات المتحدة، و«الانسحاب المضطرب» كما يعبّر هنري كسينجر.