ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

تغيير سلوك روسيا بلا مواجهة عسكرية

أيًا كان الفائز في السباق الرئاسي المقرر الثلاثاء المقبل، فعليه أن يواجه روسيا بوجهها بالغ الأسى، الذي رسمه سلوكها الميال للمخاطرة في ظل قيادة فلاديمير بوتين، والذي بات مقلقًا للخبراء الأميركان.
اليوم باتت روسيا الانتهازية العنيدة تشكل تناقضًا واضحًا. فبكل المقاييس، أصبحت حال روسيا كدولة في تدهور، فاقتصادها مترهل، وقاعدتها التكنولوجية متخلفة، وتعدادها السكاني في تناقص، وبات الفساد ينهش جميع قطاعاتها. ولا يزال انهيار الاتحاد السوفياتي جرحًا مفتوحًا، ويلوم كثير من الروس الولايات المتحدة على استغلالهم خلال سنوات التدهور.
لكن تلك الدولة الضعيفة داخليًا تتصرف بغرور أشبه ما يكون بعراك الشارع؛ فهي تخوض حربًا في سوريا وأوكرانيا، وفي الفضاء الإلكتروني، بروح مليئة بالبغض للقوة الأميركية.
فبحسب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، جميس كلابر، فقد سعى قراصنة الإنترنت الروس «إلى التدخل في سير العملية الانتخابية الأميركية»، بدافع من أعلى جهات سيادية في الحكومة الروسية.
وفي السياق ذاته، قال ديمتري سايمس، مدير مركز المصالح الوطنية، إن «تعريف روسيا للمخاطرة تطور تجاه مزيد من الشجاعة وقليل من الانتباه، لما قد يشكله ذلك من خطر على الولايات المتحدة»، مضيفًا: «يعتقد بوتين أن الدوافع الأميركية الإيجابية تقريبًا غير موجودة، وأن العقوبات ضئيلة، وأنها سوف تفرض أيًا كان حجم ما يفعله».
على الرئيس المقبل أن يعرف كيف يغير من سلوك روسيا من دون مواجهة عسكرية مباشرة. فهل أفضل الطرق لتحقيق ذلك عن طريق عقد الصفقات مع بوتين، حسبما يقترح دونالد ترامب؟ أم عن طريق تبني مواقف أكثر حزمًا بالدفاع عن القوة والمصالح الأميركية حسبما تقترح هيلاري كلينتون؟ قد تكون هذه أهم قضية أمن قومي في هذه الانتخابات.
يجب أن تبدأ الاستراتيجية المستقبلية للولايات المتحدة بفهم واضح للطريقة التي ينظر بها الكرملين إلى العالم في عهد بوتين. هنا يحذر وبقوة بعض كبار المحللين الأميركيين من أن موسكو ترى نفسها طرفًا مجروحًا، وتحاول أن تخوض حربًا جديدة بعد عقود من التفوق الأميركي. فها هو بوتين، ضابط الاستخبارات (كي جي بي) السابق، يوجه أسلحة الدمار والاستخبارات السرية التي بناها خلال سنوات الحرب الباردة صوب الولايات المتحدة مجددًا.
ففي مدونة «الحرب على الصخور»، كتب المحلل الأمن القومي جيمس لودز، تحت عنوان: «الروس يقرأون كتاب خططنا خلال الحرب الباردة» أن «الأدلة لا توحي بأن بوتين يفضل أحد المرشحين عن الآخر، بل إنه يفضل الفوضى. فهو يريد أن تبدو العملية السياسية الأميركية في أسوأ صورها».
وأضاف لودز أن مضامين الحملة الدعائية الروسية الجديدة تشمل التجسس على الحكومة الأميركية، ونشر الفساد السياسي الذي يفيد الكبار، وتزوير الانتخابات.
فاستراتيجية روسيا وصفت بأنها «صراع هجين»، بيد أن المؤرخ أنغوس غولدبرغ يجادل في صحيفة «سمول وارز جورنال»، أو صحيفة الحروب الصغيرة، بأن المصطلح الروسي «بيسبيرديل»، ومعناه غياب الحدود، أو أي شيء يصلح، هو التعبير الأنسب. وعادة ما يستخدم هذا التعبير لوصف القلة الفاسدة التي سادت في روسيا تحت قيادة بوتين.
أضاف غولدبرغ أن أسلحة روسيا تتنوع ما بين القوة المسلحة والقوة الناعمة، الخفية منها والمعلنة، وأن «ما يدمج تلك الثنائيات سويًا كنظام واحد متناسق هو رغبة الاتحاد الروسي في تطبيقها من دون أي قيود».
فيما وصف ذلك ستيفن سيستانوفيتش، الخبير الروسي بجامعة كولومبيا، قائلاً: لبوتين نفسه سمات شخصية غير مألوفة، «فأحيانًا يكون عاطفيًا، وناعمًا، ومتهورًا». لكن لبوتين حساباته أيضًا «فللروس مقولة شهيرة تقول: أحسبها سبع مرات، واقطعها مرة واحدة، هكذا يكون الرجل الحكيم».
فخلال السنوات القليلة الماضية، تزايدت بوضوح قدرة بوتين على تحمل المخاطر، «ففي تاريخ الحرب الباردة، لم تفعل روسيا أي شيء عن بعد مثل تدخلها في سوريا»، وفق سيستانوفيتش. فوفق حسابات موسكو، «فهي ترى أن مخاطر الانتقام ستكون أقل من ذي قبل».
لنعود إلى سؤال يوم الانتخابات: ما أفضل الطرق للتعامل مع تلك التهديدات الروسية الجديدة؟ فالكثير من المحللين يخشون من أن يقرأ الروس في موسكو كلمات ترامب التصالحية على أنها علامة على إنهاك الولايات المتحدة، وأنه بات بإمكانهم طرح المزيد من المطالب. وفي السياق ذاته، جادل خبير الفضاء الإلكتروني الروسي ديمتري ألبيروفيتش في مقطع مصور حديث بمدونة «ور أون ذا روكس» أنه في حال لم يتم ردع محاولات التدخل الخفية لروسيا، فسوف تتكرر مرات ومرات في جميع أنحاء العالم».
ويبدو موقف كلينتون الحازم نهجًا أفضل لحماية مصالح الولايات المتحدة، طالما أنها لا تجعل بوتين يشعر بالإهمال أو بأنه كم مهمَل في أحد الأركان. فروسيا التي نراها الآن أضعف مما تبدو، لكنها جرحت في تاريخها الحديث، وباتت جاهزة للانقضاض.
* خدمة «واشنطن بوست»