سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

ارحموا مصر

تعيد الدعوة إلى النزول للشارع في يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) في محافظات مصر، التي أطلقتها حركة تسمي نفسها «حركة الغلابة»، تعيد تذكيرنا بمدى تطابق التكتيكات التي اتبعتها جماعة المرشد العام (الإخوان) في مصر مع التكتيكات التي اتبعها الفرع الشيعي لجماعة المرشد الأعلى في البحرين عام 2011!
فبعد فشل محاولة الانقلاب على الدستور في مملكة البحرين، وبعد أن خرج الشارع البحريني رافضًا للانقلاب متمسكًا بدستوره وبنظامه، وبعد فض الاعتصام في دوار أو ميدان اللؤلؤة، بقيت «الجماعة» تحاول - وما زالت - أن تعيد لملمة صفوفها، وتبحث عن ذريعة لإعادة إطلاق شرارة الفوضى من جديد.
الأسلوب يكاد يتطابق مع ما حدث في البحرين بعد فشل الانقلاب على الدستور في فبراير (شباط) 2011، قامت «الجماعة» الفرع الشيرازي منها والفرع الولائي منها (فرقتان من المذهب الشيعي تدينان لإيران بالولاء) بتفعيل الخطة «باء»، لإعادة الكرة من جديد، فقامت باختيار تاريخ محدد طرحته على وسائل التواصل الاجتماعي للدعوة إلى النزول للشوارع، في 2012 طرحت تاريخ 30 مارس (آذار)، ورفعت شعارًا جامعًا لكل الشرائح المجتمعية «الديمقراطية تجمعنا»، لكن الدعوة فشلت ولم ينزل للشارع غير مجموعات شبابية لا تتعدى العشرات في أنحاء متفرقة في بعض محافظات البحرين، ثم أعادوا الكرة عام 2013 تحت شعار «طوق الكرامة» واستخدموا ذات الأسلوب برفع شعارات ضد التجنيس والبطالة، وباءت دعوتهم بالفشل مرة أخرى، بل حوّل البحرينيون الموضوع إلى سخرية واستهزاء فأطلقوا على الشعار «طوق القمامة»، لأن المجموعات المحدودة التي خرجت استخدمت حاويات القمامة لسد الشوارع العامة.
ما يجمع بين الجماعتين تطابق فريد في التكتيك وفي الأهداف الاستراتيجية لا تطابق في الفكر العقائدي فحسب، فإسقاط الدولة القائمة وإقامة دولة «العدل» التي يحكمها مرشد عام قاسم مشترك يجمعهما، المدرسة واحدة التي يتدرب فيها الاثنان، فتلك التواريخ المحددة للنزول للشارع أسلوب تدرب عليه الاثنان معًا في أكاديميات واحدة، البحث عن قواسم مشتركة، عن معاناة حقيقية لا يختلف عليها اثنان، واستخدامها لنشر الفوضى، والبراغماتية التي تشرعن الوسائل، حتى المحرمة منها، جائزة عند الاثنين.
تحديد تاريخ معين وطرحه قبل أكثر من شهر، وإشغال الوسائل الإعلامية والتواصلية بهذا التاريخ هدف بحد ذاته، ثم تصعيد الحملة بنشر الشائعات التي تسبق التاريخ المذكور، بتدرج مدروس لا يقصد منه خلق الفوضى وإسالة الدماء والبحث عن قميص لعثمان يلوحون بدمه فحسب، إنما القصد منه هز الثقة بسمعة الدولة وبأمنها على مدى الفترة الزمنية التي تسبق يوم النزول، التأكيد للمجتمع الدولي ولإعلامه ولمنظماته أن البحرين بلد غير مستقر أمنيًا، فلا استثمار ولا سياحة ولا تجارة ولا حركة تنقلات... إلخ.
جميع تلك التكتيكات خبرناها في البحرين واليوم نراها متطابقة تمامًا في مصر، مما يدل على أن المدرسة واحدة والتمويل واحد وإسقاط الدولة هدف للجماعتين، ولم يعد تحقيق هذا الهدف حصرًا على الحروب التقليدية بغزو خارجي من دولة أجنبية، إسقاط الدولة ممكن الآن بخلق الفوضى الأمنية وانهيار اقتصادي، فتنخر الدولة من الداخل ولا تحتاج إلا إلى «تكة» للسقوط!
كان التاجر البحريني يئن في 2011 و2012، وأصحاب العقارات يشتكون، وفرص العمل ضاقت والسوق تأثرت بشكل كبير، وخسائر الاقتصاد البحريني كانت كبيرة، ولولا الدخل النفطي الذي هو جزء كبير من موارد الدولة لانهارت!
هذا ما يفعله الإخوان الآن في مصر تمامًا، ومع الأسف يساندهم «إخوان» الخليج العربي، اعتقادًا منهم بأن مصر لن تكون مصر إلا بحكم «الجماعة»، عداؤهم لنظام السيسي أنساهم المصريين، وأنساهم مصر التي هي أكبر من أي مصري. الفوضى في الشارع لن تكون حلاً أبدًا، وإسقاط الدولة ومؤسساتها وجيشها وانهيار اقتصادها لن يكون حلاً لمشكلات مصر، ولن تنهي الفساد ولن تعالج الخلل.. الفوضى المنشودة لن تقع إلا على المصريين، الذين هم وحدهم من سيدفع الثمن.
ما يقوم به الإخوان ومن يساندهم من كتيبة إعلامية تتفاعل مع رسائل التسقيط والتجريح ونشر الشائعات، وكثير من تلك الكتيبة هم من أهل الخليج، وكثير منهم يفعلون ذلك بحسن نية دون النظر إلى تبعات تلك الحملات الممنهجة على اقتصاد مصر المنهار أصلاً، ولا يدركون تبعات ذلك على معاناة المصريين ولا طحن ما تبقى من الطبقة الوسطى وإفقارها، المهم إسقاط النظام الحالي، غير مدركين أن إسقاطه ومصر بهذا الوضع الاقتصادي يعني إسقاطًا للدولة، إنما ذلك هدف لن يتحقق إلا بسقوط ضحايا ستعتبر الجماعات الدينية سقوطهم من الخسائر العادية أو من «الكلفة الطبيعية» للحروب!
قد تكون أعباء مصر من فساد أو من سوء تخطيط، وقد تبتعد مصر عن السعودية في بعض خطواتها، إنما في النهاية تبقى مصر أكبر من المصريين، وتبقى مصر دعامة الأمن القومي العربي حتى بضعفها وبوهنها، والجماعات لم تكن لمصر حلاً ولا للبحرين حلمًا، فلا نتكالب نحن والزمن على مصر.