إميل أمين
كاتب مصري
TT

الموصل.. معركة سياسية أم عسكرية؟

هل أضحت معركة تحرير مدينة الموصل، وتخليصها من يد تنظيم داعش، معركة سياسية دعائية إعلامية بأكثر من كونها معركة عسكرية؟
شيء ما يدعونا للتفكير في أن الأمر بالفعل على هذا النحو، لا سيما بالنسبة للمتابع لإرث أوباما، والسجال الدائر بين كلينتون وترامب في طريق وصول أحدهما إلى البيت الأبيض.
المتابع للأجواء التي سبقت وصاحبت المعركة يدرك كيف أن إدارة أوباما ووسائل الإعلام الأميركية أعدت جيدًا خطة أقرب إلى «البروباغندا» منها إلى «الاستراتيجية العسكرية»، للاستفادة من زخم المعركة على أكثر من صعيد، بل رأينا مؤسسات بحثية أميركية تحاول توضيح أبعاد ما يجري على الأرض في العراق، وانعكاساته على الداخل الأميركي.
في مناظرته الأخيرة مع هيلاري، طرح ترامب تساؤلاً يبدو عقلانيًا إلى أبعد حد ومد: «لماذا لا يجعلونه هجومًا مباغتًا»؟ والقصد هو الهجوم على الموصل، ذلك أن ألف باء العمليات العسكرية الناجحة، التكتم والسرية وخداع العدو، فلماذا إذن تحذير «داعش» قبل الإقدام على سحقه ومحقه؟
يبدو أن المسألة تتجاوز محاولة مساعدة العراقيين في استعادة أراضيهم من «داعش»، فهناك هدف لا يغيب عن أعين العارفين بالشؤون الأميركية، يتمثل في بلورة نهاية إيجابية بشكل أو بآخر للولاية الثانية لأوباما.
إرث أوباما من الرماد، وأحلامه في كتابة اسمه في سجل القياصرة الأميركيين، تبدو وكأنها تبخرت، ولهذا لم يعد أمامه من مفر إلا معركة الموصل، وتحقيق انتصارات ساحقة فيها.
أوباما الذي فضل طوال ثماني سنوات القيادة من وراء الكواليس، ها هو الآن يتحرك لصالحه ومصلحته بقيادة عسكرية دعائية من الأمام، وقد تصيب محاولته نجاحًا ما، غير أن النتيجة قد لا تأتي على حسب هوى قلبه، ذلك أنه لو تم الاستيلاء على المدينة بسرعة وبخسائر فادحة لـ«داعش»، فإن الجميع سوف يتساءل: «لماذا انتظر أوباما هذا الوقت الطويل حتى تمددت (داعش) وانتشرت؟».
يحدثنا إيلان غولدنبرغ، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في المركز الأميركي الأمني الجديد، أن ما يجري هو رهان من الرجل الذي «تجرأ على الأمل» قبل ثماني سنوات، عبر استراتيجية جديدة تتضمن اشتراك القوات الخاصة الأميركية في مساعدة القوات المحلية في القتال في الأماكن التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وهذه استراتيجية تختلف مع استراتيجيتين أميركيتين سابقتين؛ الأولى هي إرسال قوات أميركية برية بالآلاف إلى العراق، كما الحال مع بوش الابن؛ والثانية هي الالتزام بعدم التدخل، وتكليف الوكلاء ربما بالشراكة العسكرية، لتبقى العسكرية الأميركية بعيدًا عن ميادين النار.
السؤال من جديد: «لماذا طفت هذه الاستراتيجية على السطح في الأسابيع الأخيرة لولاية أوباما الثانية؟».
لا تخلو خطوات إدارة أوباما من دهاء سياسي يتصل بموعد تحرير الموصل، إذ يبدو أن الهدف من المعركة هو لفت أنظار الأميركيين من جديد إلى إشكالية الإرهاب ومواجهته، وهو أمر قد تستفيد منه هيلاري كلينتون، وخصوصًا أن منافسها ترامب لم يوفر توجيه الاتهامات اللاذعة لإدارة أوباما التي فشلت في التغلب على الإرهاب والإرهابيين، كما أن هيلاري نفسها لم تنجح في شرح سياسات أوباما ضد الإرهاب، عطفًا على سعيها للبقاء عسكريًا خارج مسار إرسال كثير من الجنود الأميركيين إلى العراق من جديد.
أحد أفضل العقول السياسية والدبلوماسية الأميركية ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في نيويورك، تنبه مبكرًا إلى أن مسألة اللعب على متناقضات معركة تحرير الموصل، يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين في المعركة الانتخابية الرئاسية، وعنده أنه قد يكون لما يجري في العراق أثر طفيف على حملات الانتخابات الدائرة الآن، لو تم تحرير المدينة سريعًا، وأن هذا قد يفيد هيلاري، لكن الجانب السلبي من المعادلة سوف تجري به المقادير، لو استمرت المعركة وقتًا أطول، كما يتوقع كثير من الخبراء. حينئذ، يمكن أن يقوي ذلك من حجة ترامب بأن المشكلة خلقها قرار إدارة أوباما الانسحاب التام من العراق.
الهمة والنشاط المثيران للتأمل لازما الإدارة الأميركية دفعة واحدة، فها هو آشتون كارتر، وزير دفاع أوباما العتيد، يعلن عن الاستعداد لتحرير الرقة في سوريا من «داعش»، وأن واشنطن كانت قد انطلقت أصلاً من أن معركة الرقة يجب أن تبدأ بعد قليل من مباشرة عمليته ضد «داعش» في الموصل.. هل هي حسن النيات أو الطوايا الأميركية التي ظهرت فجأة ما يفسر لنا ما نحن بإزائه في العراق وسوريا؟
معضلة أوباما الحقيقية أنه جعل الناس تحلم إلى درجة بعيدة، أميركيين وشرق أوسطيين، غير أن النقد الأميركي الموجه لمعركة الموصل يوضح لنا أنه ليس من عادة أميركا المجبولة على البراغماتية أن تقدس رجال السياسة لديها، لا سيما إذا جاءت محاولاتهم في الساعة الحادية عشرة؛ سيد البيت الأبيض ربما نجح حيث لم يكن يتوقع أحد، لكنه حكمًا خيب الآمال حيث كانت معقودة عليه بشدة.