د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

عواقب انكفاء أميركا على ذاتها

مع اقتراب رحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض يبدو أنه خلف تركة ثقيلة لخلفه، فلقد اهتزت مكانة أميركا كدولة عظمى في العالم، وخاصة في الفترة الثانية من ولايته، عندما تخلى أوباما عن كثير من القضايا الساخنة التي هي محور الصراع في العالم وأهمها القضية الفلسطينية، فلم يطرح أي مبادرات تذكر لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وما قدمه مجرد وعود لم تتحقق على أرض الواقع، وترك إسرائيل تصول وتجول في فلسطين، بدءا من قيامها بعدوان على غزة وحصارها لها وانتهاءً بالسماح لها ببناء المستوطنات في شرق القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينية، وكذلك تقلص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وما زيادة الحروب والصراعات في المنطقة العربية خاصة إلا أكبر دليل على ذلك. مع كل ذلك لم نسمع من أوباما إلا تصريحات جوفاء كلها تدور عن الحلول السياسية كإبر تخدير لقضايا الشعوب، مثل قضايا فلسطين وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من مناطق الصراع في العالم.
إن أميركا كدولة عظمى عليها مسؤوليات دولية تجاه قضايا العالم، ولكنها في عهد أوباما تخلت عن هذه المسؤوليات وانكفأت على ذاتها، مما جعل الوضع الدولي مهيأ لظهور قوى دولية أخرى، وبالفعل ظهر الدور الروسي الذي لا يزال يمسك بزمام الموقف في سوريا وغيرها من مناطق الصراعات في العالم. أين تهديد أوباما للنظام السوري قبل أن يستخدم الأسلحة الكيماوية في الغوطة السورية بقوله بأن استخدام السلاح الكيماوي هو خط أحمر؟ وكذلك تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول المجاورة لها والميليشيات الإرهابية التي أوجدتها في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وكذلك ظهور كوريا الشمالية كقوة نووية، وذلك عندما أعلنت أنها في يناير (كانون الثاني) 2016 أجرت اختبارًا نوويًّا تحت الأرض في موقع الاختبار النووي بونغ كيه – ري، حينها قالت وسائل الإعلام الكورية الشمالية إن البلاد نجحت في اختبار قنبلة هيدروجينية.
لم يشهد العالم موجة من الحروب والصراعات في العالم كما يحدث الآن ونحن في العقد الثاني من هذا القرن، ولم تتمدد موجة الإرهاب في العالم بقدر هذه المساحة، بحيث توسع الإرهاب من أدنى العالم إلى أقصاه بعد أن وعدنا من قبل الدول الكبرى بعالم يسوده السلام والتسامح الدولي، وإذا بنا بعالم يتساوى فيه الجلاد والضحية والقاتل والقتيل ويدعوهما للجلوس على طاولة واحدة للمفاوضات، كما قال وزير الخارجية الأميركية جون كيري في أحد تصريحاته: «إن أفضل طريقة لوقف العنف في سوريا هي في جلوس الرئيس الأسد والمعارضة السورية على طاولة واحدة للمفاوضات لإيجاد حكومة انتقالية وفقًا لإطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف، أي بروتوكول جنيف الذي يتطلب موافقة الطرفين على تشكيل الحكومة الانتقالية». بدوره صرح وزير الخارجية الروسي لافروف: «يجب تحديد المعارضة المعتدلة لتكون شريكا في حل الأزمة السورية»، يا لها من هلوسة عجيبة ينسى فيها لافروف قصف الطيران الروسي لحلب وتدمير المدينة على ساكنيها من أطفال وكبار سن ومستشفيات ومدارس، ثم يأتي للمعارضة السورية ويطالبها بالحوار، يا له من عالم يكون فيه الخصم هو الحكم، وكما يقول الشاعر المتنبي في مدح سيف الدولة:
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَم
وعلى الصعيد الداخلي شهدت المدن الأميركية في عهد أوباما أعمال قتل وعنف ضد العناصر التي من أصول أفريقية، وأكبر دليل على ذلك العملية التي شهدتها مدينة دالاس الأميركية مساء يوم 7 يوليو (تموز) 2016 وخلفت مقتل خمسة من رجال الشرطة، وإصابة نحو 11 شخصا بجراح، إلى جانب مقتل مسلح اشتبك مع الشرطة، وهي تشير إلى استفحال «الغضب الأسود» من سياسة التمييز العنصري، خاصة أن المسلح الذي نفذ العملية في مدينة دالاس أخبرهم أنه يريد قتل البيض تحديدا وخاصة رجال الشرطة منهم، فيما يبدو أنه رد فعل على مقتل مواطنين سود على أيدي رجال شرطة.
وماذا عن قانون «جوستا» الذي ينم عن عجز إدارة أوباما وسوء استراتيجيتها، فكيف بدولة تعطي لنفسها الحق في محاكمة مواطني الدول الأخرى وتعتدي على سيادتها.