طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عادل ورمضان و«فرافيرو»!

في العالم كثيرًا ما تُتهم الميديا بأنها ساهمت في العنف، ولكنهم يدركون في نفس الوقت أن الأسباب الحقيقية أعمق من الأفلام والمسلسلات ونشرات الأخبار المليئة بالدماء.
مؤخرًا اعتدى طالبان في المرحلة الثانوية على أستاذ بالضرب المبرح مما أدى لكسر إصبعه، باقي الخبر يؤكد أن التحقيق معهما من الممكن أن يسفر في نهاية الأمر عن فصلهما أو حرمانهما من الامتحان هذا العام.
ما الذي دفع الطالبين المشاغبين في مدرسة «العاشر من رمضان» بمدينة الشرقية لضرب الأستاذ، وهو في الأساس قوي البنية بحكم تخصصه في التربية الرياضية؟ من المؤكد أنه كان يُعلم الطلبة فنون الدفاع عن النفس، فلماذا لم يتمكن من الدفاع في الحد الأدنى عن نفسه، أم أنه ينطبق عليه قول الشاعر معين بن أوس: «أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني»، وبالطبع لا حاجة بنا للمقطع الذي يقول فيه الشاعر: «وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني» ليتهما توقفا عند حدود التراشق بالشعر.
لم تكن المرة الأولى، تعددت بالطبع تلك الاعتداءات، بل حدث انقلاب درامي، فقبل عام نشرت الجرائد حكاية المدرس الذي تسبب في مقتل تلميذ بعد أن أشبعه ضربا، وتلك الأستاذة التي كانت تطلب من الطلبة أن ينظفوا لها حذاءها، هناك خطأ ولا شك في المنظومة التعليمية برمتها، ولكن ما حدث بعد الاعتداء مباشرة أنهم في المتابعات الصحافية الصباحية ولقاءات «التوك شو» المسائية، أشاروا بأصابع الاتهام إلى عادل إمام ومسرحيته الشهيرة التي عرضت قبل 40 عامًا «مدرسة المشاغبين»، والبعض أكد أن السبب المباشر هو فيلم «عبده موتة» ومسلسل «الأسطورة» لمحمد رمضان.
من الممكن أن يريحنا هذا الاتهام ونحن نلقي المسؤولية برمتها على شماعة الميديا، وننسى أن السؤال البديهي، هل لم تحدث مثل هذه الجرائم وأبشع منها قبل «المشاغبين» و«الأسطورة»؟ من إذن الذي دفع أشهر سفاحتين في تاريخنا العربي ريا وسكينة قبل 100 عام، إلى قتل كل هذا العدد الضخم من النساء في مدينة الإسكندرية، والغريب أن الجرائم كانت تقع بالقرب من قسم الشرطة.
عندما قرر الفنانون تقديم حياتهما شاهدنا في البداية فيلمًا تراجيديًا «ريا وسكينة» إخراج صلاح أبو سيف، وبعدها كان هناك أكثر من عمل كوميدي مثل «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» وأيضًا مسرحية «ريا وسكينة» ولعبت بطولتها شادية وسهير البابلي، أي أن الفن تعامل مع الجريمة الدموية بروح مرحة.
من المؤكد أن العنف له أسبابه الكامنة في النفس البشرية، وأيضًا لا نغفل العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثلاً «مدرسة المشاغبين» مأخوذة عن فيلم أميركي، فهل تدهور حال التعليم الأميركي بعدها مثلما حدث عندنا.
أفلام المخدرات ساهمت في زيادة نسبة التعاطي؟ «الميديا» تلعب دورًا ولا شك ولكنه ليس دور البطولة.
ونحن أطفال كان التلفزيون يعرض مسلسل اسمه «فرافيرو العجيب»، كان الطفل فرافيرو يصعد فوق سطح المنزل ويحلق بجناحيه ويطير، فقرر طفل أن يقلده وقال مثله «أنا جاي»، وقتها أوقفوا المسلسل، قالوا إنه السبب في موت الطفل، بينما المنطق يقول إنه إذا كان عدد سكان مصر وقتها 40 مليونًا وبينهم مثلاً 15 مليون طفل، فإن الذي فعلها هو طفل واحد فقط، معنى ذلك أن لديه استعدادًا فطريًا، سواء شاهد فرافيرو أو لم يعرض أصلاً. علينا أن نواجه المشكلة على حقيقتها ولا نحمل أسباب فشلنا لعادل ورمضان و«فرافيرو»!!