د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

قرية قنفودة آخر جيوب «داعش» بنغازي

تضخيم الحالة الإنسانية في قرية قنفودة، جاء نتيجة لغياب المؤسسات الدولية الحيادية، مما مكن لجماعة الإخوان والمقاتلة من استغلالها والترويج لها إعلاميًا، وتسويقها على أنها كارثة إنسانية، فقنفودة هي قرية صغيرة جدًا تقع غرب مدينة بنغازي، وهي ضمن مخطط مدينة بنغازي الكبرى ولا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف.
قنفودة قرية هجرها سكانها جميعهم، بمجرد هروب «داعش» بنغازي إليها بعد أن حاصره الجيش لينتهي فيها جيبًا مندحرًا خائبًا، والأصوات التي تتحدث عن وجود مدنيين عالقين هي تغالط وتجانب الحقيقة؛ بعضهم من أجل الإبقاء على هذا الجيب بعد أن شبه استكمال الجيش الليبي عملية تطهيره لمدينة بنغازي من «داعش» وإخوته، إلا أنه بهروب بقايا «داعش» ودروع الإخوان إلى محور غرب بنغازي استطاعوا التحصن خلف عشرات العائلات التي قد تكون علقت جراء الاشتباكات، وأغلب تلك العائلات هي في الأصل عائلات الدواعش والإرهابيين، وهي خليط من ليبيين وأجانب رفضوا في أكثر من مرة الممرات الآمنة التي منحها الجيش الليبي لهم ورفضوا تسجيل أسمائهم في قوائم واضحة، في محاولة لإخفاء المقاتلين الأجانب والمرتزقة بين صفوفهم، في حين اشترط الجيش الليبي لخروجهم أن يمنحهم ممرًا آمنا يكون في اتجاه الشرق على أن تخرج النساء والأطفال أولاً ثم الرجال، تفاديًا لأي اختراقات أو محاولات انتحارية يائسة ويكون الخروج باتجاه الجيش بالحافلات، وليس في اتجاه البحر عبر قوارب كما طلبوا الخروج دون معرفة من هم وكم عددهم، مما يعني خرقًا لأي اتفاق يَمنح بموجبه ممرًا آمنًا لجماعات متطرفة مختبئة في قرية قنفودة تقصف المدنيين في بنغازي بقذائف الهاون ومدافع الهاوزر وصواريخ غراد راح ضحيتها في أكثر من مرة العشرات من المدنيين الأبرياء داخل مدينة بنغازي.
الجيش الليبي منح أكثر من فرصة لممرات آمنة لقرية قنفودة، إلا أن هذه الجماعات استخدمت «بعض العائلات» التي قد تكون فعلاً عالقة، دروعًا بشرية لها، ومنعتها من الخروج لتمارس الابتزاز من خلالها، كما شهد وذكر من استطاع الفرار من قبضة هذه الجماعات الإرهابية.
فشلت محاولات جماعات الإسلام السياسي من الإخوان وجماعة المقاتلة (فرع تنظيم القاعدة الليبي) في استخدام قرية قنفودة كقميص عثمان، بعد أن سقط مشروعها الإخواني في بنغازي بسبب ضربات الجيش الليبي، فسارعت لتجيش العالم حول قرية قنفودة، والزعم بأن المدنيين فيها يُقصفون تارة بالطيران الأجنبي وتارة بطيران الجيش الليبي، ويعلن في إعلام تلك الجماعات عبر فضائيات تمولها ومواقع إلكترونية يديرها أنصارها، ما يزعم أنها انتصارات ميليشيات مجلس شورى «ثوار» بنغازي، وهو تحالف هجين من ميليشيات أنصار «الشريعة» وميليشيات الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة يتمركز الآن في قرية قنفودة, ووفق اعتراف هذه الجماعات، كيف يكون من تصفهم بالعائلات العالقة تارة، والتي تزعم أنها تقصف بالطيران والمدفعية، تحقق تقدمًا وتنتصر وتدمر دبابات ومدرعات للجيش، مما يشكل فصامًا عقليًا إعلاميًا لدى هذه الجماعات، وفشلها حتى في ممارسة الكذب والتضليل.
واليوم بعد بيان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وعلى لسان زعيمها «أبو مصعب» ودعوته للنفير إلى قنفودة ومطالبته مقاتلي «القاعدة» فيها بالصبر والثبات، فهل لا يزال مارتن كوبلر يطلب ممرات آمنة في قرية قنفودة التي تم تضليل بعثة الأمم المتحدة حولها عبر تقارير مغلوطة ومعلومات مررتها جماعات الإخوان وأنصارهم في وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية، من خلال الابتزاز بشتى أنواعه، حتى تسربت تلك التقارير المغلوطة إلى أروقة الأمم المتحدة ومبعوثها، الذي يبدو انه يفضل التعاطي مع الأزمة الليبية من خلال الإعلام فقط، غير مدرك للواقع السياسي، وعدم التحاور مع الأطراف الحقيقية ذات العلاقة لحلحلة وصهر الجمود السياسي في المشهد الليبي ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الليبي عامة.