طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ترام للبيع

من هو بطل فيلم «إسماعيل يس في الطيران»؟ تمهل لا تتسرع في الإجابة لأن أمامك اختيارات، كما أنه لو ضاق بك الحال من حقك الاستعانة بصديق، ولكن راجع أولا الاختيارات المتاحة بدقة، البطل نجيب الريحاني أم عادل أمام أم إسماعيل يس، اختر الإجابة الصحيحة واتصل بنا على رقم «....»، صارت هذه هي نوعية الأسئلة التي تريد أن تضع يدها في جيب المشاهد الطيب لتأخذ كل ما فيه، بينما الزبون لا يتوقف عن طلب الرقم عشرات المرات في انتظار أن يكسب 10 آلاف جنيه والمكالمة ثمنها جنيه، ويتلقون مليون مكالمة، القاعدة المستقرة في العالم «القانون لا يحمي المغفلين»، صار لدينا حالة من الكسل العقلي والجسدي، هناك من يريد أن يكسب بلا أي مجهود يذكر، ويتصور أن أبواب الحظ تفتح على مصراعيها لمجرد أنه طلب رقمًا على المحمول.
الفزورة عرفناها كنمط شائع مرتبط بشهر رمضان، تُقدم فقط على سبيل التسلية البريئة، وأشهر من ارتبطت بها الإذاعية آمال فهمي، مد الله في عمرها، وذلك قبل نحو 70 عاما، كان يكتبها الشاعر بيرم التونسي ثم أمسك الراية صلاح جاهين وتتابعت بعدها الأسماء، لم تكن هناك مصيدة منصوبة للمستمع فهو يرسل بالبريد العادي الإجابات التي يعتقد في صحتها، وذلك طبعا قبل اختراع البريد الإلكتروني، كان الهدف لا يخلو أيضًا من بُعد ثقافي حيث تُضاف للمتلقي معلومة، وذلك قبل أن تُصبح في السنوات العشر الأخيرة واحدة من أدوات النصب والاحتيال.
هل تتوقف هذه النوعيات من تلقاء نفسها؟ بالتأكيد لا، لأن كل يوم تتوالد فضائية جديدة، وفي ظل حالة العشوائية التي صارت هي العنوان سنكتشف رحيل فضائيات عن مواصلة البث بسبب تعثرها اقتصاديا، وعلى الجانب الآخر، فإن معدل إنشاء القنوات الجديدة في تصاعد أكثر لأن الفجاجة وفساد الذوق صارا هما القاعدة المستقرة.
لا أميل في العادة إلى مطالبة الدول بالتدخل وإيقاف مثل هذه البرامج، لأنني أرى أن العلاج الأقوى والأنجح هو أن يصبح المشاهد صاحب القرار، تخيل أن هناك من يعلن مثنى وثلاث ورباع ولا أحد يتصل، ومن المؤكد بعدها لن يجرؤ على الاستمرار، كثيرا ما نجد الناس تحث الرقابة على مصادرة الأفلام والمسلسلات والأغاني والبرامج الرديئة، بينما كلنا نُدرك أنه حتى لو أغلقت الدولة الأبواب فإنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ستجدها تطل عليك من الشباك، المتلقي في العالم صار هو الذي يملك العصمة في يده، لا أحد يفرض عليه الاختيار.
لقد بدأنا حكايتنا بإسماعيل يس، ولهذا أصبح من حقه علينا أن ننهيها أيضًا مع «سُمعة»، هل تتذكرون فيلمه «العتبة الخضراء»، العتبة هي أقدم وأشهر ميدان في مصر، عرض الفيلم عام 59، بعد أن استوحى الفكرة الكاتب جليل البنداري من أشهر واقعة نصب دخلت التاريخ، عندما باع شاب قاهري الترام إلى رجل ريفي جاء للمدينة، التقاه عندما ركب الترام لأول مرة فأصيب بحالة من الدهشة وعلم أنه يملك 200 جنيه، فقال له بدلا من أن يدفع ثمن تذكرة الترام، أن يشتريه كاملا بـ«تحويشة العمر» فتصبح كل التذاكر المقطوعة من حقه ووجدها الريفي صفقة رابحة، ومن يومها صارت مثلا يتردد في مصر والعالم العربي.
نعم سيظل هناك على مر الزمن من يعرض الترام للبيع، إلا أن السؤال لماذا لا يزال البعض منا مصرًا على شراء الترام؟!