مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أشياء من الشعر

كان واصل بن عطاء رئيس المعتزلة متكلمًا بليغًا، وكان يسقط الراء في جميع كلامه لأنه كان ألثغ في الراء، فلما سمع أن بشار بن برد قد هجاه في مجلس الخليفة المأمون قال: أما لهذا الأعمى الملحد المشنف المكتنى بأبي معاذ من يقتله؟ والله لولا أن الغيلة من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه في جوف منزله ولا يكون إلا سدوسيًا أو عقيليًا. فانظر إليه حيث قال الأعمى ولم يقل الضرير، وقال الملحد ولم يقل الكافر، وقال المشنف ولم يقل المرعث، وقال المكتنى بأبي معاذ ولم يقل بشارا ولا ابن برد، وقال الغالية ولم يقل المقبرية ولا المنصورية، وقال لبعثت ولم يقل لأرسلت، وقال يبعج ولم يقل يبقر، وقال في جوف منزله ولم يقل في عقر داره.
وقال بعض الشعراء في بلاغته:
ويجعل البر قمحًا في تصرفه وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطرًا والقول يعجله فعاذ بالغيث إشفاقًا من المطر
طبعا كله حكي، والحكي مثلما تعلمون (ما عليه جمرك)
**
تذمر أحدهم من أحد القضاة في لبنان فقال فيه:
لحى الله في بعض المدائن قاضيًا عمامته أنقى بياضًا من اللفت
ولكنه في الناس أمست فعاله أشدّ سوادًا يا أخي من الزفت
فذي حالة القاضي فبالله لا تسل أخا البحث والتدقيق عن حالة المفتي
فذاك إذا ما كان في المدّ كيله فهذا بلا شك يكيّل بالجفت
للمعلومية (الجفت) = 2 (مد)
وعلى فكرة هذه الأبيات تنطبق أيضًا على بعض القضاة في بعض البلاد العربية.
وها هو الشاعر (سامي ناصر الدين) قالها في موظف، لا يعرف من أصول الوظيفة إلاّ قبض المرتب في آخر الشهر وتعطيل معاملات المراجعين:
تبوأها لا الرأس بالعلم حافل ولا الصدر بالإخلاص والحزم عامر
ولا خط سطرًا دهره في صحيفة ولا عرفته في الديار المنابر
وليس له إلاّ المرتب بغية فما شانه في ما حوته الدفاتر
يقول إذا لاح الصباح لصحبه أليس لهذا الشهر بالله آخر
فسل من تولوا أمرنا أجريمة إذا طُهّرت من مثل هذا الدوائر؟!
**
وبعيدا عن هم القضاة، وغثاء الموظفين أبتعد قليلا وأقول:
رغم أنني لا أستسيغ شعر (محمود عباس العقاد)، فقد استسغت - يا سبحان الله - هذين البيتين، وقد يكون ذلك (لأمر ما في نفس يعقوب)، وهما:
أراكِ ثرثارة في غير سابقة فهاتِ ما شئتِ قالاً منكِ أو قيلا
ما أحسن اللغو من ثغرٍ نقبله إن زاد لغوًا لنا زدناه تقبيلا