راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

أوباما.. ثمانية أعوام من الوعود الوردية

«لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، استنادًا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي بداية مبنية على أساس أن أميركا والإسلام لا يعارضان بعضهما بعضًا، ولا داعي أبدًا للتنافس فيما بينهما».
كانت هذه بداية خطاب باراك أوباما الذي ألقاه في 4 يونيو (حزيران) من عام 2009 في جامعة القاهرة، مفتتحًا ما قال إنها بداية ترجمة شعار التغيير في سياسة أميركا الخارجية، وقد اختار له مدخلاً إلى مصالحة أميركا مع الدول الإسلامية، عبر الالتزام بحل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لأن «هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا».
بعد ثمانية أعوام وتحديدًا قبل خمسين يومًا من انتهاء ولايته، وقّع أوباما على مذكرة تفاهم جديدة حول المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، بلغت قيمتها 38 مليار دولار وتمتد على عشر سنوات، ولم يتوانَ في القول إنه وبنيامين نتنياهو على ثقة بأن هذه المذكرة «ستساعد في ضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات، وفي جوار ما زال خطيرًا»!
لا داعي للحديث عن وعده الزهري بإقامة الدولتين، ولا للسخرية من حديثه الغريب عن تلك التهديدات التي تواجه إسرائيل، التي طالما هددت المنطقة وشنّت الحروب على دولها، ولا عن ذلك الجوار الذي لا ندري أين يجد أوباما مكامن الخطر فيه، وهو جوار غارق في الحروب والانقسامات ورياح الفتن الطائفية والمذهبية، التي لا يغالي المراقب إذا قال إنها جاءت نتيجة السياسة الخارجية الأميركية وأيضًا والروسية!
38 مليارًا هدية لنتنياهو، الذي حاصره في البيت الأبيض وامتهن هيبته في الكونغرس!
هذا منتهى الانحياز ومنتهى التسليم ومنتهى الرضوخ ومنتهى الغرابة، عندما يقرر أوباما تقديم أكبر صفقة مساعدات عسكرية في تاريخ إسرائيل إلى نتنياهو، ليبدو عمليًا كمن يقدم أكبر جائزة لمن تعمّد دائمًا أن يوجّه إليه أكبر مسلسل من الإساءات، وخصوصًا من على منصة الخطابة في الكونغرس، الذي أراد نتنياهو في مارس (آذار) الماضي أن يظهر أنه قادر على إدارته وبسلاسة، ربما أكثر من الكنيست الإسرائيلي!
الصفقة أثارت كثيرًا من علامات الاستفهام والاستغراب، ليس لأن العلاقات بين أوباما ونتنياهو انطوت على مقدار كبير من الحساسية والحذر، وإلى حد ما الكراهية المكنونة، بل لأن الأزمة الاقتصادية في أميركا لم تنتهِ، ولأن أوباما لم يتردد في القول إن المذكرة، التي جاءت بعد أشهر من المفاوضات غلبت عليها أجواء من الريبة، «تشكّل أكبر التزام بتقديم مساعدة عسكرية ثنائية في تاريخ الولايات المتحدة، وإنني أكرر ما قلته سابقًا من أن التزام أميركا بأمن إسرائيل لا يتزعزع».
الذين وضعوا الاتفاق على خانة محاولة شراء الصوت اليهودي دعمًا لهيلاري كلينتون، لا يغالون رغم ما أظهرته خلاصات تقارير سابقة، رجّحت تفضيل اليهود لها، وخصوصًا في نيويورك التي سبق أن مثلتها في الكونغرس، لكن كان في وسع أوباما ألا يقدّم الهدايا إلى نتنياهو، لأن من المعروف أن الاتفاق الجديد جاء امتدادًا لاتفاق سابق لتزويد إسرائيل بأسلحة حديثة تضمن تفوقها الإقليمي، وكان قد أبرم قبل أعوام وينتهي في السنة المقبلة، مما يعني أنه كان من الممكن تأجيل الاتفاق عدة أشهر وترحيله إلى الإدارة المقبلة، لكن من الواضح أن هناك حماسة قضت بأن يبتلع أوباما كل ما لحقه من تنكيل سياسي على يد نتنياهو وأن يبرم الاتفاق، في وقت كانت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض تقول «إن الولايات المتحدة ستكون حاضرة على الدوام من أجل إسرائيل»!
ثمانية أعوام من الأوهام حيال القضية الفلسطينية التي أرادها أوباما مدخلاً لمصالحة أميركا مع الإسلام، وثمانية أعوام من الطعن في ظهور الحلفاء بخناجر بروتس، عندما كان يقال له بمرارة في واشنطن وهو يتهافت على مكالمة هاتفية مع الرئيس حسن روحاني: «كيف نستبدل حلفاء غير مؤتمنين في طهران بحلفائنا التاريخيين المؤتمنين في الخليج»، لكنه كان يبشّر بأن الاتفاق النووي مع أولئك الذين يصرخون دائمًا «الموت لأميركا»، سيغير من طبيعة السياسة الإيرانية في المنطقة والعالم.
ثمانية أعوام من الخيبات المتلاحقة مع إدارة أوباما الذي جاء حاملاً شعار التغيير، لكنه كان تغييرًا إلى الأسوأ، وظل يسوق الأوهام للفلسطينيين، وعندما انخرط ثلاثة أعوام في مفاوضات سرية مع إيران وفي عمان، لم يكلّف نفسه عناء استشارة دول الخليج، ويطلعها على ما يجري، بينما كان من الواجب إشراكها في المفاوضات أو أخذ رأيها بما كان يجري.
ستة أعوام أخرى من التعامي الفاضح عن المذبحة السورية المفتوحة، كأن أميركا ليست الدولة الأقوى التي ترفع راية الحرية وحقوق الإنسان، ويقتل الإنسان السوري بالسلاح الكيماوي في الغوطتين قبل ثلاثة أعوام، وتقتل هيبة أميركا بالصمت المريب، وقبل كل هذا ثمانية أعوام من خيبات الأمل التي زرعت الداعشية في العراق، الذي تركه أوباما هدية لنوري المالكي وطهران.
وخمسة أعوام أيضًا في مصر التي ظل أوباما يقول إن ثورة 30 مليون مصري على حكم محمد مرسي الاستئثاري والإقصائي، هي مجرد انقلاب عسكري، وظلت سفيرته آن باترسرن تدعو «الإخوان المسلمين» إلى حكم مصر من رابعة العدوية، رغم أن الشعب المصري رفض وثار وأسقط مشروع الإسلام السياسي الذي فصلته إدارة أوباما رهانًا على تمزيق المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية.
ما قاله في جامعة القاهرة كرره قبل أسبوعين في طريقه إلى الصين «إننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية، إن عمليات البناء تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوّض الجهود المبذولة لتحقيق السلام.. نحن قلقون جدًا من إعلان الحكومة الإسرائيلية الموافقة على خطط لبناء أكثر من 500 وحدة سكنية في الضفة الغربية»، نعم سيدي الرئيس أنت منزعج جدًا إلى درجة تقديم 38 مليارًا من الدولارات إلى إسرائيل، التي تخاف عليها من «الجوار الخطير»، وهي التي لن تترك حجرًا على حجر لا في فلسطين، ولا في الجوار المسكين!
جاءت هيلاري كلينتون إلى إسرائيل سبع مرات، وجاء جون كيري بعدها تسع مرات، ولم تتمكن إدارة أوباما أن تحمي بيتًا فلسطينيًا واحدًا من الهدم، وانتهى وعد إقامة الدولتين بدعم إسرائيل بمليارات تكفل لها تمزيق الجوار المشتعل أصلاً وبإدارة أميركية روسية مضاربة.
عندما دخل أوباما البيت الأبيض هللّ البعض للاسم: «باراك حسين أوباما»، يومها كتبت في زاويتي في «النهار» مقالاً بعنوان «لا تناموا على وسادة»، لن أقول «صح النوم»، لكنني أعتقد أن أوباما يستحق فعلاً وداعًا مفعمًا بخيبة الأمل!