مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حتى لا يكون ولدك «أبو سن» آخر!

سنعود لقصة الحضور السعودي في الميديا الأميركية والغربية وبقية مظاهر الحياة العادية. لكن هنا وقفة مع مسألة سعودية محلية.
باختصار، السوشيال ميديا، أصابت الكبار والصغار بالهوس بل العته في بعض الأحيان، وصار جلب المشاهدين والمتابعين والمعلقين هو «عجل السامري» الجديد لهذا القرن، العجل الذهبي الذي يملك غواية لا يمكن مقاومتها!
كل فترة تبرز لنا ظاهرة معتوهة جديدة، يعلق عليها المتابعون بـ«تويتر» و«إنستغرام» و«يوتيوب» و«سناب شات»، وغيرها من التطبيقات، أحيانا تكون التعليقات سلبية وشاجبة، ولكنها في النهاية تحتسب ضمن «عداد الأرقام» في الرصد والمتابعة، وهذا يفرح الشخص المعني، صاحب العجل الذهبي، لأنه يرضي غدة الهوس في تلافيف نفسه.
تابع البعض في السعودية، مقاطع لصبي تافه، يعاكس فتاة أميركية، هو من بلده وهي من بلدها، وتضاحك الناس عليه، وتداولت السوشيال ميديا فصول تفاهته، وطالب البعض بردع الشاب «أبو سن» كما لقبوه، بسبب مظهره العابث، المراهق، والمفارقة الهائلة في البون الكبير بين الفتى والفتاة، عبر البحار والمحيطات.
اللعبة «إحلوت» في عين المراهق أبو سن، وتابع نشر المقاطع، ولم تزده التعليقات السلبية إلا حبورا وفرحا وتصميما على الإكثار من المقاطع.
قبل أيام أعلنت شرطة منطقة الرياض القبض على الشاب «أبو سن» بسبب مقاطعه على تطبيق «يو ناو» التي «فشلت» السعوديين، وفشلت مصطلح محلي، يعني أخجلت! المتحدث باسم شرطة الرياض قال إن الشاب عمره 19 عاما، أودع حجز الشرطة، وتم إشعار فرع هيئة التحقيق والادعاء العام لتطبيق النظام بحقه حسب الاختصاص.
اللافت في الخبر الذي نشرته «العربية نت» كان تعليق أبو سن في تفسير «هبله» مع كريستينا الأميركية، قائلا «إنه شخص عادي لديه هموم كثيرة (واضح!) ولكنه فقط أراد أن يُضحك الآخرين، ليس بحثًا عن الشهرة، ولكن لأنه يشعر بالسعادة عندما يرى تعليقات الآخرين وهم سعداء».
هذه القصة تشير إلى أزمة تربوية خطيرة، ولدت مع تفريخ هذه التطبيقات، وإتاحة المجال لكل من هبّ ودبّ للإبحار الحر في منصات التعبير، الصوتي والمرئي والنصي، وصارت هناك حسابات لأطفال، أطفال فعلا بسن السابعة والثامنة، ينشرون مقاطع، ويقلدون مثل أبو سن هذا مثلا، والأب والأم يضحكان ببلادة على هذا الهبل.
صحيح أن واجب السلطات ملاحقة كل مسيء على الإنترنت، لكن لن تقدر الحكومة، أي حكومة في العالم، على تربية كل السفهاء، صغارا وكبارا.
هذه مسؤولية الوالدين والإخوة الكبار، لأن ضياع العقل وشتات البوصلة، أكبر «عقوق» يقع من الوالدين تجاه أولادهم. هذا هو جوهر التربية.
[email protected]