محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

فيلم هندي

يتقدّم غابار سينغ بضع خطوات إلى الأمام بكل ما لديه من ثقة. يقف وسط الشارع في بلدة هندية فقيرة ويواجه رئيس العصابة ونحو مائة من رجاله في تحدٍ واضح. لكن رئيس العصابة واثق من أنه غابار هذا سوف لن يتحمل هجومًا واحدًا من حفنة من رجاله. يتبادلان الحوار الذي لا بد منه. يندد غابار بالظلم الذي يعاني منه الفلاحون على أيدي رجال العصابة، الذين يفرضون الخوّة ويعتدون على الأهالي ويدمرون ممتلكاتهم. يهدده رئيس العصابة بقطع رقبته.
بعد ذلك، يشير رئيس العصابة إلى اثنين من حملة السيوف فيهجمان على غابار. هذا يرفس خشبة مرمية على الأرض وفوقها فأس. تطير الفأس عاليًا فيلتقطها غابار ويطيح بالاثنين معًا.
يشير رئيس العصابة إلى نحو عشرة أشخاص: «اهجموا عليه»، فيهجمون. يرمي غابار الفأس من يده، ويستل البندقية المعروفة، محليًا باسم «جفت» وهي بندقية صيد تسع رصاصتين فقط. لكنه سيطلق منها ثلاث رصاصات تصيب ثلاثة أشخاص، قبل أن يستخدمها لضرب المهاجمين والإطاحة بهم.
يأمر رئيس العصابة باقي رجاله بالهجوم فيتقدم هؤلاء بلا تردد. هل سيخاف البطل من الكثرة؟ طبعًا لا. لكن إذ انطلق الرجال في هجمة واحدة، وصلوا إلى البطل كل بدوره مما مكنه من الانفراد بهم. مصير هؤلاء لم يكن أفضل من مصير من سبقهم. كلهم طاروا في الفضاء بفعل لكمة من هنا ورفسة من هناك وليّ ذراع وفك ورك. «غابار» لا يمكن له أن يُهزم. وهو يستخدم كل فنون القتال من دون نظام أو منهج. كلها مخلوطة ومنفذة بـ«السلوموشن».
ورد هذا في فيلم هندي من إنتاج هذه السنة، لكنه يرد في كل شهر وفي أسبوع في كثير من أفلام بوليوود. وهل شاهدت «إبداعات» هوليوود الحديثة؟ لا تختلف كثيرًا ولو أنها أفضل صنعًا إلى حد.
ليس هناك من لا يعرف أن هذه الأفلام خرافات غير قابلة للتصديق، لكن هذا لا يمنع ملايين الناس من التحلق حول هذه الأفلام ذات العقم الفكري والإفلاس الفني. لماذا؟
أعتقد أنها الرغبة في تكبير الصورة الواقعية لتتخطى أي حدود معروفة أو متوقعة. الحاجة لقبول المرء احتمال أن هناك رجلاً آخر سواه يستطيع أن ينجز عنه ما لا يستطيع أن ينجزه هو. كل ما هو مطلوب إعطاؤه صفة مناضل اجتماعي أو مدافع عن القانون والعدالة.
البطل الخارق هو «الأنا» في بال الإنسان الضعيف والحالم المهزوم ومن يعيش بالفطرة ومن لديه دوافع انتقام مكبوتة. هو الحل الذي تميل إليه الحكايات المختلفة في مواجهة فشل الجماعات في تحقيق العدالة. فالكل يفشل والبطل هو الذي ينجح عوضًا عنها.
العادة قديمة العهد ولا توجد وثائق معروفة تذكر أين بدأت وتبعًا لأي حاجة بالتحديد. لكن سمعنا عن أجدادنا أن الحكواتيين كانوا يقصون مثل هذه المبالغات طوال الوقت، فإذا بعنترة يأتي على مائة محارب وأبو زيد الهلالي يقتل ثلاثة أسود، أما الرابع فقد «نفذ بجلده» هربًا.
كثير من الناس (ومعظم شعوب الأرض ذات ثقافة محدودة) يحبون المبالغة ويريدون ممن يتحدّث إليهم أن يبيعهم الطمأنينة ولو كذبًا. هو يعلم ما يحتاجونه فيغدق به عليهم، وفي الوقت ذاته يشعر بتميّز لا يستحقه ولا يستطيع أن يحققه لو تحدّث أمام مثقفين أو في بيئة حضارية.