في ذات الوقت الذي تُسقط فيه الطائرات الروسية القنابل العنقودية والفسفورية على رؤوس أطفال ونساء إدلب وتقتل منهم المئات، يصافح إردوغان الزعيم التركي ويحتضن بوتين الروسي المسؤول الأول عن تلك الطائرات، ليعلنا معًا عن قوة العلاقة ومتانتها بين الدولتين، بل ووعد أن تحلق طائراته جنبًا إلى جنب الروسية ويلقيا معًا قنابلهما على السوريين، ومن موسكو يستعجل إردوغان فريقه لإكمال إجراءات التطبيع مع إسرائيل. ألا يضع هذا المشهد الدرامي الصادم فصلاً لختام الرواية؟ ألا يعد ضربة قاضية للحلم العثماني؟
إردوغان زعيم تركي مسؤول عن أمن تركيا وليس مسؤولاً عن أمن أي شعب عربي. حين تضاربت المصالح بينه وبين السوريين، ولى وجهه حيث تكون المصلحة التركية بغض النظر عن «الأيتام» العرب الذين تركهم خلفه.
السؤال موجه للعرب الذين يظنون أن تعطيل وإسقاط «دولتهم» واجب كي يفسحوا المجال لـ«الأمة» أن تنهض. للذين يضعون أنفسهم وأبناءهم وكوادر حزبهم وشبيبتهم على خط سباق التتابع للوصول لخط النهاية بالحلم بدولة أممية، مهمتهم أن يسلموا عصا الوهم جيلاً وراء جيل، السؤال لهم: أنتم الآن أمام لحظة مفصلية، أمام الحقيقة المرة الصادمة وجهًا لوجه، إردوغان لن يكون زعيمًا للعرب، فهل ستستمرون بنقل عصا التتابع لأبنائكم من بعدكم؟ أما زلتم تعتقدون أن إردوغان سيكون قائدًا لأبنائكم من بعدكم؟ أم ستنقذونهم بخروجكم من هذا السباق والعودة بهم لحضن دولتكم؟
الكرامات التي أسبغتموها على إردوغان والهالة التي رسمتموها له والقدسية التي فرضتموها عليه من أجل تسويق صورته كـ«خليفة» كسرها هذا المشهد الأخير، تعرفون الآن أنتم أكثر من غيركم أنها ما كانت إلا خداعًا بصريًا ومؤثرات صوتية و(أنميشن) حاولتم بها مساعدة خيال أبنائكم على إكمال الناقص من صورته، فإن خدعتم أنتم فالأمانة تقتضي أن تنقذوا أبناءكم من خديعتكم؟
فمتى يفيق أيتام تركيا من وهمهم؟ ومتى سيفيق أيتام إيران من وهمهم ذي النسخة الشيعية في عالمنا العربي؟ من عوّل من العرب على إيران كي تكون له كافلة وتبني له مجدًا غابرًا، فهو الآخر متعلق بحبال الوهم مثلهم وخادع لنفسه ومتمم لسباق التتابع الذي غرره به السابقون، لكنه اليوم يتحمل هو مسؤولية خديعة أبنائه بمنحهم عصا الحلم والسراب كي يكملوا الجري من بعده وراء دولة مؤمنة «عربية إيرانية» يقودها زعيم إيراني يتساوى فيها الأتباع عربًا وإيرانيين في حقوقهم والتزاماتهم.
ألا ترون حجم الخديعة؟ إيران تدفع العربي الشيعي لحرق العلم الأميركي وتنام هي تحت اللحاف معها من أجل مصلحة قومية إيرانية صرفة. أميركا التي تبيع وتشتري الجماعات الشيعية حسب مصالحها، تعقد إيران معها التحالف تلو الآخر مثلما يتحالف إردوغان مع روسيا، في النهاية هناك مصالح قومية لهذين الزعيمين لها الكلمة الأخيرة والفصل، لا الدين ولا المذهب.
المؤثرات الصوتية والضوئية و«الأنميشين» التي تصور خامنئي نور لله على الأرض معصومًا من الخطأ كافلاً لكل «مؤمن» أي لكل شيعي، عصا تتابع نقلت لكم كي لا تروا إيران التي تغض الطرف عن بكائيات ولطميات شيعة الأحواز وتعلق مشانقهم في الشوارع، تلك هي الحقيقة التي تدفنون رؤوسكم في الرمل كي لا تروها، إيران تدوس على رقاب أي قومية غير إيرانية تتضارب مصالحها معها، الأذربيجيون يلعنون هذه الجارة صباحًا ومساء وهم شيعة، باعوكم الوهم، إنما ما الذي يجبرك على بيعه لأبنائك؟
ألم تحن بعد لحظة الحقيقة؟ ضعتم وأرهقتم أوطانكم بعقوقكم.. ألم يئن الأوان لوقفة شجاعة؟ ليست الشطارة أن يستعرض الإخواني زلات وأخطاء وجرائم خامنئي لشبيبة جماعته، بل أن يستعرض أخطاء وزلات وجرائم من نصبه زعيمًا لهم، هنا التجرد والموضوعية، كما ليست البطولة أن يستعرض خادم خامنئي أخطاء وزلات إردوغان وجرائمه، بل أروني شطارتكم في استعراض جرائم فقيهكم وما أكثرها.
الخلاصة.. اقطعوا هذا الحبل السري مع الماضي، تدينوا وتمسكوا بمعتقداتكم، إنما دعوا هذا الجيل يتعايش مع واقع دولته، بتجرد بلا مؤثرات صورية وهمية لدول أخرى، دعوه يرَ إيران وتركيا مثلما يرى غيرهما من الدول المجاورة، على حقيقتهما دون رتوش تجميلية، ويرَ شعبيهما على حقيقتهما ويتعرف على زعمائهما كما هم، بشرًا يبحثون عن مصالحهم القومية.
دولنا ليست المدن الفاضلة، والأنظمة العربية ليست الخلافة الراشدية، إنما يكفي أن تعطوها 50 في المائة من الأعذار التي تمنحونها لإيران وتركيا كي تروها بعين حيادية مجردة تكفي لأن تتقبلوها وتتقبلوا زلاتها وأخطاءها.
لا تسقوا أبناءكم المرارة التي تجرعتموها، ليكن منكم عقل رشيد يجرؤ على إعلان إلقاء عصا الوهم من يده ويخرج من سباق التتابع هذا المستمر منذ الخمسينات إلى اليوم، ينقذ به أبناءه من خطر السباحة في الفضاء خارج العصر.. خارج الزمان والمكان وخارج نطاق الواقع. أوطانكم أولى بعصاكم.
8:2 دقيقه
TT
سباق التتابع.. أوطانكم أولى بعصاكم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة